يخبرني صديقي أن صاحبه المهندس قد تدهورت حالته النفسية حتى وصل لحافة الهلوسة، وقبل أن يبدأ رحلة هلوسة أخرى مع المخدرات ومغيبات العقل، بدأ بصحبته جلسات إرشاد نفسي أوصلت ذلك المهندس لقناعة تامة أن المجتهدين والمتفانين في مجال دراستهم، والناجحين في أعمالهم هم أكثر عرضة للإصابات النفسية، وأن تعاملهم مع الإصابة هو ما يحدد مستقبلهم.

ويحدثني صديقي الطبيب أنهم يعانون شحاً في تخصص (طبيب الطوارئ)، وأن هذا الشح شائع عالمياً، ويرجعه بعض المتخصصين في الصحة إلى أن أكثر الأطباء الذين انتحروا هم من هذا التخصص المليء بالتركيز، وغلطة الشاطر فيه بـ10 آلاف ضعف.

وهذا ما رأيته في خبر لم يأخذ حيزاً كبيراً في الإعلام، الذي فحواه «إن عمادة شؤون الطلاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ممثلة بوحدة عناية، وقعت مذكرتي تفاهم مع مركزين متخصصين في الصحة النفسية. لتحسين جودة الحياة للطلاب، من خلال برامج العلاج والإرشاد النفسي والاجتماعي الذي يقدم خدماته لمنسوبي الجامعة».

وهذا قد يكون أمراً تقليدياً، ولكن ما هو غير تقليدي ما ذكره مدير المركز الدكتور محمد القحطاني عن طريقة العلاج بالكلام، إذ لدينا خطأ شائع في العيادات النفسية، وهو أن يبدأ من يعاني اضطراباً نفسياً بأدوية طبية، قبل جلسات الإرشاد النفسي، وقد يواصل فترة علاجه الدوائية، لسنوات حتى يحدث تحسن طفيف، بينما جلسة واحدة قد تخلص ذلك المصاب مما يعرف بـ«اختفاء المشاعر تحت اللاشعور»، وهي صدمة نفسية تفقد من تعرض لها لذة النوم، وقلة التركيز والتوتر والقلق، ما قد يصل إلى التسبب في فصله من عمله أو ارتكابه لأفعال إجرامية نتيجة انعدام جودة الحياة لديه.

يقول الدكتور محمد القحطاني: إن طلاب الجامعة المثابرين والمهتمين جداً بتحصيلهم الدراسي، هم أكثر فئات الجامعة احتياجاً للمتابعة، إذ إن معدل الإنتاجية الفكرية لديهم عالٍ جداً، بالتالي فإن أي مؤثر أو صدمة نفسية قد توقف طالباً كان قادراً على رفع اسم جامعته في محافل عالمية، وتحوله إلى مكتئب منطو على نفسه، لا يتعاطى سوى عقاقير مهدئة؛ بسبب أن بعض الجامعات وللأسف لم تعِ حتى الآن أن كلمات تخرج من فم الشخص قد تخرج معها تفاصيل دفينة في أعماق العقل، تجعل الفكر يعود صافياً، فيا جامعاتنا التفوا حول طلابكم بمثل «وحدة عناية» وهذه التفاهمات، وسترون أسماءكم في محافل عالمية «فاسندوا طلابكم يسندوكم».