«إذا كان لدينا هوليوود وبوليوود، فلماذا لا يكون لدينا سوليوود»، تصريح للأمير تركي الفيصل ملفت للنظر، خاصة وهو ينطلق من أرض المهرجان السينمائي العالمي في مدينة كان الفرنسية، كما أنه يأتي ضمن زخم ثقافي محلي يتكثف باتجاه تشجيع الأعمال السينمائية السعودية.

من ناحية الاسم (سوليوود) فالاشتقاق من (هوليوود) ليس جديدًا، فهناك (بوليوود) و(نوليوود وكوليوود)، وغيرها، إذ دأبت الأمم على استلهام التجارب الرائدة والناجحة، وهوليوود واحدة منها.

هوليوود تجربة تراكمية طويلة زمنيًا تحولت عبر أكثر من قرن من منطقة ريفية يسكنها مجتمع زراعي بسيط إلى أهم مكان لصناعة السينما الأمريكية، مما استدعى أن تمنح هذه المدينة حدودًا ونظامًا خاصًا بها، كما أنها تعد رمزًا عالميًا، بما تحتويه من أماكن للتصوير وشركات كبرى للإنتاج، وكذلك بتقديمها لأعمال ارتبطت بالذاكرة البشرية، وشكلت البصمة الذكية للسينما الأمريكية.

أما بوليوود فجاء اسمها مشتقًا من مدينة (بومباي) مضافًا للمقطع الأخير من اسم هوليوود، لكنها على أرض الواقع مجرد منتج أفلام لا يقارن بحجم هوليوود، ولا شك أن هذا يحدث التباسًا في كثير من الأحيان، بل ويصور السينما الهندية كنسخة مكررة خالية من التفرد.

بالعودة إلى (سوليوود) الحلم ما هي، وكيف يمكن أن نتصورها؟، الحديث عن (سوليوود) يأخذنا لما هو أبعد من مجرد إنتاج أعمال سعودية تشارك في مهرجانات عالمية أو تعرض على منصات الأفلام، إلى العمل على صناعة سينما سعودية ذات مستوى احترافي وتأثير عالمي، بحيث تدخل في المنظومة الاقتصادية وتنظمها القوانين والاتفاقيات الدولية.. فهل هذا ممكن؟.

من الناحية النظرية أعتقد أن الإمكانيات المتوفرة للسعوديين اليوم أكثر بمراحل من تلك التي توفرت للآباء الهوليووديين في أواسط القرن التاسع عشر، كما أن الاحتياج لدى السعوديين للسينما مرتفع جدًا، خاصة في هذه المرحلة التي يرغبون فيها بتقديم أنفسهم ومشروعهم السياحي والاقتصادي للعالم، كما أن الأمة السعودية تمر بمرحلة تحول فكري واجتماعي تاريخية؛ ولذلك فهي بحاجة لكافة قنوات التواصل مع الآخر، وفي تقديري أنه لم يوجد حتى الآن طريقة أفضل من السينما للعبور الفكري بين الثقافات المختلفة والتجوال في أبعاد الوعي الإنساني.

من هنا تأتي قيمة التصورات الصحيحة بأن لا تكون سوليوود فكرة عابرة ولا منصة رقمية ولا دكان إنتاج فنيًا، بل مشروع ثقافي واقتصادي وسياسي متكامل ومدروس، فلتكن سوليوود قبلة للعقول المبدعة، وفضاء يتنافس من خلاله صناع السينما السعودية، وهذا في رأيي استحقاق ثقافي كبير ومغامرة مذهلة تستحق أن نذهب إليها.

سوليوود التي أتصورها هي مدينة للكتاب والمنتجين والفنانين ومكتشفي المواهب ومنظمي المهرجانات ومانحي الجوائز العالمية الحقيقية.

سوليوود بيئة تصوير عالمية، ودور عرض متطورة، وقطاعات اقتصادية ضخمة ومدارس وأكاديميات لصناعة النجوم وتقديم تجربة سينمائية ناضجة الملامح. سوليوود كبسولة سفر عبر الأزمنة والحضارات تصور تاريخ المنطقة وفلسفة إنسانها وطبيعة أرضها وطقسها وتاريخها.

يمكننا بالتأكيد الاستفادة من الأفكار الهوليوودية، وكذلك البوليوودية، كما يمكننا البناء على التجارب السينمائية العربية والعالمية الرائدة، لكننا وبما لدينا من انفتاح اقتصادي واجتماعي، وأجيال طموحة وشغوفة ومتطورة فكريًا، وبما نملكه كذلك من مخزون ثقافي، وما يمكننا تقديمه من دعم وتنظيم، فإننا أمام فرصة تاريخية عظيمة لتحويل (سوليوود) إلى واقع مؤثر يصنع الفرص ويقدم مستوى جديدًا من المدن السينمائية والإعلامية ويمنح القوة السعودية الناعمة مزيدًا من التوجهات والخيارات.

أعتقد أن (سوليوود) السعودية قادمة بشكل طبيعي ضمن نهضتنا الفكرية، ولعلها تكون أكثر وضوحًا وانتظامًا بعد أن نتجاوز إرهاصات هذه المرحلة الثقافية الانتقالية.