‏ شاهدت مؤخرا على اليوتيوب أعمالًا متنوعة للمسرح المدرسي في بعض الدول الشقيقة.‏ أعمال أقل ما يقال عنها (أنها نواة لدورة حياة فنية متكاملة تغذت على تاريخ وموروث تتناقله الأجيال، ‏بفخر واعتزاز عبر الزمان، يربط الحاضر بالماضي بشكل انسيابي، أعمال مبتكرة استمدت من موروثاتها الفنية والتاريخية ومن رقصاتها المتنوعة من كل منطقة).

شدتني حالة الحب الذي ينشأ كعلاقة بين الطالب/ة وموروثه الوطني وهو لا زال في عمر الزهور، وما يصنعه من حب واعتزاز وانتماء للوطن، ‏وما يذيب بحنان من عنصريات وإثارة نعرات وتعصبات مناطقية كالتي تصنعها «الشيلات» اليوم.

‏تلك الأعمال أعطتني في الوقت نفسه إجابة عن تساؤلات حول دور الفن ونموه وتطوره حتى مرحلة ازدهاره، ‏ما أوصلني إلى قناعة أن الابتكار في الفن لا يقوم إلا على قواعد راسخة، هي بالأصل الإرث الذي يجب علينا أن نحميه ونحفظه ونسلمه للأجيال القادمة، سليما ومعافى من الانتهاكات.

‏ولكن كيف يحدث ذلك في ظل غياب (المنهج المؤسسي للمسرح المدرسي)،‏ ومسرحنا المدرسي اليوم لا زال بعيدا كل البعد عن تقديم مواد تؤصل فنون مناطقنا برقصاتها ‏وألوانها الغنائية، ويجاري باستحياء ودون خطة واضحة فنون الطعام والأزياء، ويعزز بكل ما أوتي من قوة لما يسمى بـ (الشيلات)، ويتناسى فلكلورنا مثل (السامري والخبيتي والينبعاوي والدحة... وغيرها)، مما ورثته هذه الأرض الشديدة التنوع والكفيلة بميزتها هذه أن تعتصر كل فنونها في كأس الوطنية وتسقيه لأبنائها.

حقيقة حينما أستمع إلى الآراء التي تنادي بالفن الهادف أستغرب؛ لم لا تركز على أن يكون هدفها الأسمى هو نمو الوطن فنيًا وانصهار أبنائه مناطقيًا، بدلًا من محاربته وتحريمه، وإطلاق نمط مزعج لا يمت للفن بصلة، يصم آذان الطلبة ومسامعهم، ويزيد من حالة الفوضى والإزعاج في المدارس، كالذي تفعله الشيلات حتى بعد تطور كلماتها، إلى أن تم استخدامها كمادة بديلة للأغنية والموسيقا في المسرح المدرسي؟ ما يدل على أن الفن والموسيقى لا زالا من المحرمات داخل أسوار المدارس، وما يشير أيضًا إلى ‏أن مستقبل الفن الذي ينمو كدورة الحياة، باعتبار أن المسرح المدرسي أحد مراحل نموه الصحيح، مهدد بالانقراض والانكماش على نفسه، ويدل أيضا على أن نمونا العقلي المتزن والذي يتغذى على الفن كمادة تعزز السمو الروحي وتجعلنا نحلق بالآفاق إبداعًا وابتكارا، مهدد هو الآخر بالانغلاق.

‏كذلك الانغلاق الذي كانت تحرض عليه الصحوة بعد اختطافها المسارح المدرسية والترفيهية على مدى أكثر من أربعين عاما.

‏المسرح المدرسي وإن كان نشاطا لا منهجيًا فهذا لا يعني ألا يوجد له منهج! ‏فغيابه يعني غياب التمثيل والتأليف والموسيقى والاستعراض والتصميم والإخراج على الجانب الفني،‏ أما على الجانب الفردي والاجتماعي فغيابه بمثابة غياب الخيال وصناعة الرؤية وغياب البهجة التي يصنعها ‏لنا مؤلفو هذا النوع من الإبداع، وغياب الفرح بالحياة بعد سنين من رواج ثقافة الموت وكره الحياة.