منذ انطلاق رؤية 2030 في عام 2016، وبما احتوته في أهدافها الاستراتيجية الأولية والمفصلة، من استيعاب وتطوير لجميع مقدراتنا الوطنية وتحسين لأداء جميع القطاعات، وحوكمة النظام المؤسسي، وتنمية القدرات البشرية، والتمكين من جودة الحياة في جميع مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وبما لحق ذلك من برامج تنموية ومبادرات شملت مختلف مشروعات التنمية المستهدفة، ونحن نعيش سلسلة من المنجزات المفصلية التي غيرت ملامح السعودية بصورتها النمطية التقليدية المعروفة، إلى السعودية الجديدة التي أبهرت العالم بواقعها، السعودية التي نجدها اليوم بكل ما تحمله الرؤية من تطلعات، وما تسعى إلى تحقيقه من منجزات، تترجم أهدافنا الطموحة ومساعينا نحو النهوض بإرثنا التنموي وتطويره ليكون نموذجاً رائداً على مستوى العالم.

تتسابق المشروعات المستحدثة وتتزاحم المبادرات المتجددة وتتنافس البرامج التنموية المتنوعة في رحلة الإبداع والتغيير نحو تنمية أكثر شمولاً وأوسع انتشاراً وأعمق تأثيراً واستدامة، منجزات استوعبت إمكانات ثرية نعتز بها، ومقدرات متنوعة تمثلنا، فأضافت للوطن زخماً كبيراً من التغيير الإيجابي، وكماً مضاعفاً من التحولات الجذرية التي أسهمت في معالجة كثير من التحديات التنموية والعقبات الروتينية التي أعاقت مسيرة عجلة التنمية عن تحقيق تطلعات كانت حلماً وآمالاً انتظرناها طويلاً، لنجدها اليوم واقعاً نعيشه، وكياناً نراه ومنجزات نستفيد من ثمارها ومردودها الوطني.

لم يكن ذلك الحجم من التغيير والتحول الجذري ليحدث، لولا أنه كانت هناك إرادة قوية وعزيمة شديدة تدفعه، وإيمان راسخ بصدقيته وضرورته وثقة ثابتة راسخة بفاعليته وأهميته، بل واستيعاب عميق واع لطبيعة التحديات التي تواجهنا، وما تتطلبه من إجراءات وسياسات مناسبة لمعالجتها، وقدرة رائدة متمكنة لتنفيذه ولمتابعته، ما شهدناه وما نعيشه من تحولات لحقت سنوات الرؤية الخمس، قد يحتاج لعقود من العمل والإنفاق لبلورته إلى منجزات ملموسة تحتوي كل المنظومة التنموية.

كانت حزمة الإصلاحات والتحديثات المؤسسية في الأنظمة واللوائح الحكومية والقرارات المهمة الهادفة، هي القاعدة المتينة التي انطلق منها التغيير الوطني نحو الأفضل، والبنية التحتية التي دعمت عملية التحول نحو مستقبل تنموي أكثر فاعلية وأعمق تأثيراً وأوسع شمولاً، لم ينحصر التغيير والإصلاح في قطاع دون غيره ولم تبطَأ أو تقف عجلة التغيير منذ أن بدأت، بل تضاعف عطاؤها وازدادت سرعتها وأينعت ثمارها وعم خيرها ليحتوي الوطن والمواطن بل وجميع السكان والضيوف والزائرين والحجاج والمعتمرين بمختلف ما يحتاجون إليه من خدمات وتسهيلات مطلوبة.

جاءت رحلة الفضاء لاثنين من مواطنينا بما استهدفته الرحلة من إجراء عمليات بحثية واختبارات علمية دقيقة تخدم الإنسانية، تتويجاً لرحلة التحول والتغيير وتأكيداً على أننا شركاء في التنمية العالمية ولسنا تابعين أو مسيرين، جاءت رحلة الفضاء التي تابعها سكان الأرض قاطبة، ترجمة ملموسة، بل وشاهدة على قوة الإرادة وعلى صلابة العزيمة التي تقود الوطن نحو القمة والعطاء اللامحدود.

لم يكن تفوق طلابنا في مسابقات الاختبارات الدولية «آيسف» وتحصيلهم على عدد مبهر من الجوائز محض صدفة أو حظ، وإنما كان نتيجة جهود بذلت وأموال أنفقت للارتقاء بالتعليم لينافس طلابنا أقرانهم على مستوى العالم، وصدق جل وعلا في قوله تعالى «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين».

ترأست المملكة اجتماع دول الجامعة العربية أخيراً كدولة راعية ورائدة على المستوى الإقليمي والدولي، وسخرت جميع إمكاناتها ووجهت سياساتها واستقبلت ضيوفها، لإعادة لم شمل الدول العربية جميعها تحت مظلة الجامعة العربية؛ ليعود الكيان العربي إلى تماسكه وليستعيد قوته بتكاتف أطرافه وتعاونه نحو معالجة تحدياته وما يواجهه من إشكالات إقليمية ودولية.

جهود السعودية المتميزة وسياساتها الحكيمة وعلاقاتها المعتدلة في جميع الشؤون والقضايا الدولية، علاوة على حضورها الإنساني ومشاركتها الفاعلة في الكوارث والنكبات التي تتعرض لها الشعوب في جميع الدول دون تمييز، أكسبها مكانة إقليمية ودولية متميزة جعلتها ملجأً للمنكوبين ومرجعاً للمختلفين والمهزومين ونصيراً للمظلومين والمحتاجين.

لا شك أن هذا الحجم من المنجزات الذي حصدته السعودية اليوم على مستوى الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، قد رسخ مكانتها وقدراتها وعزز من وزنها الاستراتيجي المتميز، لتفاجِئ العالم كنموذج تنموي رائد وكقيادة حكيمة قادرة على تحمل مسؤوليتها الدولية والإقليمية ومتمكنة من المشاركة في دعم مسيرة التنمية العالمية ونشر السلام والأمن العالميين.