التحولات التي بدأت قبل سنوات في المملكة العربية السعودية، وما صاحبها من تغيرات طالت جميع مجالات الحياة، تجعلنا نقف كثيرا عند نقطة التفكير في دورنا كمؤسسات ومواطنين من كل فئات المجتمع في دعم هذا التغير، وتذليل العقبات أمامه، ليتم بكل سهولة ويسر، حتى يحقق الأهداف المرجوة منه، بما يضمن أفضل النتائج التي تعود بالفائدة على الوطن، ومن ثم تتحقق المنفعة بجودة حياة يستحقها المواطن.

ولأن التغيير في المنظومة السياسية والاقتصادية يحتاج إلى ذوي الاختصاص والخبرة، فإن دورنا فيه محدود مقارنة بدورنا كمؤسسات وأفراد تقع علينا المسؤولية بشكل كبير في دعم التحولات الاجتماعية من خلال أنشطة وبرامج وفعاليات كثيرة، تردم ما قد يتسع من فجوات بسبب سرعة الإدراك وعمق الفهم والاستيعاب لأسباب هذا التحولات، ومن ثم تقبل العقول ذات الثقافات المختلفة، والمستويات التعليمية والثقافية والفكرية المتباينة ما يحدث من تغيرات إيجابية مذهلة في هذا الوطن المبارك على جميع الأصعدة.

ولا شك أن مجالات التأثير في الجماعات البشرية واسعة وفضفاضة، لذلك يجب أن يكون التعامل معها بذكاء ومهنية ومرونة عالية، خاصة في ظل اختلاف الأنماط الفكرية والثقافية التي نتعامل معها.

لا شك أن التأثير في تقبل البشر التغيير، وتحويل نمط التفكير الاجتماعي لما يخدم المصلحة الوطنية والمجتمعية يحتاجان إلى متناقضات إيجابية مثل الصبر والروية مع النشاط والسرعة في إحداث التأثير. كذلك المرونة واللين والحوار في السعي للوصول إلى منطقة الاقتناع، مع الشدة والحزم عندما يكون عدم التقبل عائقا قد يضر المجتمع والوطن، ويهدد سلامة أمنه، وأيضا الانفتاح على الثقافات المحدثة، مع اقتباس ما قد يسهم في نجاح التغير الاجتماعي، مع المحافظة على الهوية الدينية والمجتمعية، وغير ذلك كثير، مما يجعل التحولات المجتمعية الأصعب والأبطأ والأكثر تعقيدا، لأننا سنعمل فيها داخل دائرة الفرد والجماعة، مع الأسرة والمدرسة والجامعة، بيئات العمل المختلفة، العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض، وبينهم وبين جماعاتهم الصغيرة، ومنهم إلى مجتمعهم الأكبر، لذلك هي دائرة واسعة التأثير في جانب منها لا يمكن فصله عن التأثير والتأثر «من وفي» الجوانب الأخرى،

ولذلك يجب الحذر والحرص الشديد على صورة الطرح المقدم للشرائح الواسعة من المجتمع من قِبل الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات. كما يجب أن تكون مدروسة بعناية، حتى لا تفهم خطأ، وتتحول من عامل ربط وتأثير إيجابي إلى مسبب للفرقة ومجال واسع للجدل والتقاذف، خاصة في وسائل التواصل التي يرتادها من يفقه ومن لا يفقه، ويتحول بذلك العمل الذي قد تكون نيته البناء إلى هدم ضرره طمس معالم نفعه.

ما يجب أن نضعه في عين الاعتبار عندما نقدم أي فعالية أو برنامج الرؤية وأهدافها، والحرية ومفهومها، والهوية الدينية والمجتمعية واحترامها، وأن نقدم الرسالة بطريقة تلفت النظر لمحتواها «الإيجابي»، وتجعلنا نحترمها، وإن اختلفنا معها أو لم نقتنع بها، وأن يكون هدفنا حرث تربة الفكر، لتكون محفزة للتحديث والتطوير، وإعادة النظر في قناعاتنا، وذلك من خلال تجنب الصدام الفكري والثقافي بالطرح الذي قد يستفز مسببات الرفض بمس القناعات الصلبة أكثر مما يحولها إلى فكر مرن.

ما يجب علينا أن ننتبه إليه أيضا هو الطرح غير المدروس ولا محمود العواقب في وسائل التواصل، فالجهات المسؤولة لم تبخل بجهدها التوعوي بشأن ضرورة عدم نشر ما يسيئ أو يثير الجدل، ليكون مسرحا مجانيا لمن حسنت نيته أو ساءت تجاه هذا الوطن، والاعتراضات المصورة لها جهات تستقبلها وتتعامل معها بكل سرعة وحزم، بما يتطلبه التعامل معها، حيث إنها أدرى بالنوايا والأهداف، وهي وحدها المخولة بالمحاسبة بلا جدل عقيم، وتراشق لا مبرر له في منصات التواصل.

لذلك علينا أن ندرك أن وحدتنا، على الرغم من اختلافاتنا الفكرية والثقافية، قوة يجب ألا نفرط فيها إن أردنا أمانا يستمر في وطننا، وجودة حياة مستدامة نستحقها داخل مجتمعنا، والخطأ وارد من أي شخص أو فعالية أو برنامج، ونقطة العودة عنه سهلة جدا إن تعاملنا معه بمسؤولية تجعل نطاق دورانه الجهات المسؤولة، لا دائرة وسائل التواصل التي قد تعمق أثره السلبي.

كلنا مسؤول عن أمن مستدام، ولحمة وطنية ومجتمعية نحن بها -بعد الله- فوق هام السحب، ولهذا ومن أجله يجب أن نفكر قبل أن نقوم بأي فعل.