بصفة عامة الأكل مصدر سعادة، ومشاركة الأكل مع الآخرين أيضا سعادة، شرط أن يكون اختيار الطعام بحكمة وانتقائية، أتفق في أن بعض الأطعمة تتفوق على غيرها بالتأثير الإيجابي، بعضها يذهب العقل، وبعضها يحفز على التفكير، وبعضها يضخ جرعة من السعادة.. وبعضها له تأثير سلبي، حتى الجسم بأجهزته يتأثر تبعًا لسلبيته، ثقافة الطبخ والأكل فن، وهو ما يعرف دوليا بـ(فنون الطهي).

وإذا كان الكل مصدرًا من مصادر السعادة، فهناك فن يمنحنا جرعة سعادة، تقابلها جرعات من البؤس، مصحوبًا بالشاعرية وبهجة الموسيقى ومتعة الصورة، على نحو ما يقدمه -مثلا- فيلم (ليه يا بنفسج)، يقدم الأكل والشرب مصدرًا من مصادر السعادة، (أربعة أصدقاء، الأول أحمد والذي يحب فتاة رآها لمرة واحدة، والثاني سيد الذي يعمل في أحد معامل الأبحاث ويسرق حيوانات التجارب ليزيد دخله، لكن أمره ينكشف فيطرد من عمله، والثالث عباس المتزوج من نادية والتي لا تحبه، أما الرابع فهو علي بوبي الذي هجر الحارة لأعمال غير مشروعة).

قد تستنتج من قصة الفيلم (المنتج عام 1993، تأليف سامي السيوي وإخراج رضوان الكاشف، وبطولة فاروق الفيشاوي ونجاح الموجي ولوسي، وأشرف عبدالباقي)، أن الحارة هي رمز للقدر الذي ليس بمقدور المرء أن يتجاوزه إلا بالخروج من المألوف، ومهما حاول سيفشل ويرضخ للقدر، وأن الصداقة أقوى من الحب، أو أن الحب ربما لا ينجح في مثل هذي الظروف، أو بمعنى قاس، حتى الحب الذي يفترض أن يلطف الحياة، غير موجود.

مشهد (نجاح الموجي) وهو يمسح الأرض بآخر الفيلم على خلفية أغنية (ليه يا بنفسج بتبهج.. وانت زهر حزين) حكى -ملخصًا- فرحه المؤقت وسط ظروف تعيسة، لا شيء يدوم.. لا الفرح ولا الحزن، لكن في الحارة كأنه مكتوب عليهم العيش بحزن وسط حالة البؤس والفقر، وانتزاع السعادة فقط من الأكل والشرب والغناء وتجارب العشق.

في فيلم (النداهة) المأخوذ من قصة ليوسف إدريس، المنتج عام 1975 وإخراج حسين كمال، وبطولة ماجدة، وشكري سرحان وشويكار، تملؤك السعادة بتأمل فكرة (أن المجتمع البدائي في الأرياف) قد ينتج فئة من البشر تفكيرها سطحي وساذج، وحتى لما تنتقل للمدينة بعقليتها هذه قد يتغلغل تفكيرها في شرايين المدينة، وتصير عائمة على السطح، وإذا حاولت أن تتحضر وتتمدن، تفعل ذلك بشكل مبالغ فيه خارجيًا وليس داخليًا.

السينما فن عظيم يوقفنا على تأملات جميلة لواقع الحياة، ولعل هذا ما يحيلنا إلى ما كشفه أرسطو لجوهر الدراما في كتابه (فن الشعر) بقوله: «الإنسان يتمتع بمشاهدة المسرحية أو تمثيل الحياة، إذ أنه بعمله هذا يمكّن لمشاعر الشفقة والخوف أن تستثار بعنف ثم تزال بالتطهير، وذلك بإحساس التنفيس المتولد عن الكوارث التي عانتها الشخصيات على خشبة المسرح لم يصبه شيء منها، وبالتالي يكون التنفيس كالدواء من جنس الداء- أشبه بجرعات صغيرة من مسكن الألم التي تعد وتقوي نظام الجسد للتعامل مع المرض».