الحقوق والحريات مصطلحات أصبحنا نتداولها بكثرة مؤخرًا، خاصة مع سيطرتها المحمودة «في العالم الواقعي» في ظل التحولات التي نعيشها، وأيضًا في ظل كثيرة تداولها من جانب آخر في وسائل التواصل التي يغلب عليها «حرية» تعبير تتخطى حواجز الضوابط في كثير من الأحيان، لذلك.. مع كون هذا العالم الرقمي «الافتراضي»، هو الأكثر فعالية في التأثير وإدارة دفة الفكر والتوجهات في هذا الوقت من الزمان، أصبح من الضروري أن نكثر الحديث عن هذين المصطلحين ونتناولهما من جانب آخر يسلط الضوء على المفهوم الصحيح للحقوق والحريات.. خاصة أن المطروح يدخل إلى العقول من أوسع أبواب الإقناع الذي يضغط على صمام الحاجة، أو المعاناة، أو محدودية الوعي والذي تنساق معه العقول التي اعتادت أن تنساق بدون تفكير أو منطق يجعلها تختار قبل أن تتبنى فكرًا تلهث وراءه.

للأسف المفهوم السامي والإيجابي لـ «الحقوق» والذي يضمن للأفراد والجماعات والمجتمعات كرامتها وأمنها واستقرارها أصابه من التشويه ما جعله يحيد عن مفهوم الحقوق الإيجابية البناءة، الممسكة بزمام كرامة الإنسان وأمنه في مجتمعه الذي يعيش فيه ليتحول إلى مصطلح ذا مفهوم ضائع مموه الهوية يخلط بين الحقوق والحريات بشكل أضاع إيجابية هذا وذاك..!

بتعريف بسيط للمفهومين يمكن أن تُعرف الحقوق أنها أحقية البشر مهما كان عرقهم أو جنسهم أو دينهم أو اللغة التي يتحدثونها في الحصول على حقوق إنسانية تضمن لهم الكرامة الإنسانية، وجودة حياة تمكنهم من حياة كريمة.

أما الحرية.. فتُعَرف على أنها التحرر من القيود التي تكبل الطاقات الانتاجية للإنسان، وكذلك التحرر من الضغوط التي قد تكبل سعادة الفرد أو تضع أقفالا حول حريته في اختيار الطريق الذي يصل من خلاله إلى الانسجام مع الحياة بشكل عام ومع نفسه وجماعته ومجتمعه بشكل خاص.

هذا هو المعنى الحقيقي للمصطلحين ببساط.. ولكن للأسف ما نراه على أرض الواقع الآن من قبل البعض يختلف تمامًا عن المعنى الايجابي للحرية والحقوق..

ما يهمنا هو مفهوم الحقوق والحريات في مجتمعنا الذي نعيش فيه.. والذي لو سلطنا عليه الضوء بشكل أكبر لوجدنا أننا نعيش في وطن يراعي كل تفاصيل الحقوق التي يجب أن تتحقق لشعبه، يراعيها لدرجة تحديثها بما يتواكب مع متطلبات أفراد وجماعات هذا المجتمع للتناسب مع التغيرات العامة في الكوكب الذي نعيشه والذي طال كل المجتمعات والدول، وبمثال بسيط على ذلك وبعودة سريعة إلى الذاكرة القريبة.. رأينا ولمسنا وعشنا حقوق المواطن والمقيم الصحية أثناء جائحة كورونا، وكيف واجهت الدولة تلك الجائحة واضعة في اعتبارها مصلحة الإنسان فوق كل اعتبار، كذلك لن ننسى ونحن نتحدث عن الحقوق حقوق المرأة والطفل والقرارات الجبارة التي عملت عليها الدولة بحزم حتى تضمن عدم ضياعها وسط العراقيل الاجتماعية وقناعاتها.. وغير ذلك من حقوق كثيرة محفوظة ومصانة يطول حصرها في مساحة المقال.

أما من ناحية الحرية، فهي مكفولة لنا ولكنها حرية مقننة بما يحقق التوازن بين حرية الفرد والجماعة وحياتهما بمجتمعهم الأكبر بحيث لا تؤثر حرية أحدهما سلبا على مصلحة الآخر.

علينا أن ندرك أن الحرية المطلقة التي تتخطى الخطوط الحمراء، والضوابط التي تكفل سلامة المجتمعات، مستحيلة.. وأن لكل مجتمع سقفا للحرية يختلف عن الآخر.. وأن الحرية المقبولة والمرفوضة تختلف باختلاف الزمان والمكان.

لذلك علينا أن نكون أكثر وعيًا وحذرًا في تداولنا لمفهوم الحقوق والحريات خاصة في طرحنا لها على منصات التواصل.. لأن طرحها لمجرد حجز مكان على مقاعد النقاش، أو لمجرد الركض وراء مفهوم حرية براق دون التفكير بالعتمة المغلفة بغلافه الجاذب كلها قد تكون بذورًا لمصائب كبرى نحن بغنى عنها لأنها قد تجر إليها خيانة الوطن، أو الإلحاد، أو الشذوذ الجنسي أو غيرها من حريات نتائجها قد تكبلنا بقيود من فوضى وعنف وفقد للأمن والاستقرار الذي ما كان ليكون نعمة وهبنا الله إياها لولا حكمة قيادتنا التي منحتنا كامل حقوقنا وحريتنا..

وهذا ما يجب أن ندركه ونعيه ونحذر منه أجيالنا الجديدة بأسلوب جاذب قبل أن يخدعهم بريق حريات مزيفة سعى إليها كل من حرم نفسه من نعمة هذا الوطن فكانت حسرته حقد عفن عبر منصات تواصل اجتماعي يزينون بها حريات سعوا إليها ولكنهم وجدوها جحيما.

أدام الله علينا حقوقنا الكاملة وحرياتنا المتوازنة في ظل وطن هو لنا الأمن والسعادة والحياة.