بين الفينة والأخرى، وخلف العلن، تدور فكرة إقرار «حج اليوم الواحد»، وأن فيه من التيسير الشيء الكثير، وفيه من الجدوى المادية لمقدمي الخدمة الربح الوفير، وفيه أيضًا ما لا يمكن أن يخفى من التوفير، حتى لو قلنا إن أقل باقة للحج، وهي الباقة الاقتصادية تبدأ أسعارها من 3984 ريالاً؛ والأمر يتوقف ويتحرك نقاشه، والمضي فيه تبعًا للمؤيدين والمعترضين، ومراعاة كذلك للمتحفظين.

حج اليوم الواحد، ليس جديدًا أبدًا؛ فقد دأب البعض، وخصوصًا أهل مكة المكرمة، على اختصار مناسك الحج، من خمسة أيام إلى يوم واحد، من خلال أداء طواف القدوم، ثم التوجه إلى عرفات، ثم إلى مزدلفة بعد الغروب، ورمي جمرة العقبة، ثم التحلل، والتوجه إلى الحرم مرة أخرى لطواف الإفاضة وسعي الحج، وجبر ما تبقى من واجبات كرمي جمرات أيام التشريق، والمبيت بمنى وغير ذلك من واجبات، حسب المعمول به في المذاهب الفقهية لكل منهم.

التفكير في تنظيم حج اليوم الواحد، أو الذي يمكن تسميته بالحج الميسر، أو السريع أمر طيب، مع لزوم مراعاة عدم تفويت روح الحج والخشوع، وأهمية وضع شروط وضوابط ومعايير لتنفيذه بما يكفل أداء النسك أداء شرعيًا صحيحًا، وخاليًا من المبالغة في الأسلوب التسويقي، الذي قد يشكك في صحة الحج، ومعلوم أن تكلفة الحج لم تعد زهيدة، كما كانت في الماضي، وهناك من لا تسمح له ظروفه أيًا كانت هذه الظروف، من البقاء عدة أيام في أرض المناسك، وكل ما يستطيعه هو أداء مناسك الحج الأساسية التي لا تجوز فيها الإنابة، أي أنه سيذهب إلى الحج في اليوم التاسع صبيحة أو ضحى (يوم عرفة)، وينوي الحج مفردًا أو قارنًا، وفي اليوم نفسه يطوف ويسعى، ثم يذهب إلى عرفات، فيصلي الظهر والعصر جمع تقديم أو جمع تأخير حسب وقت وصوله، ويظل في عرفات ملبيًا داعيًا، حتى تغرب الشمس، فينفر إلى مزدلفة، ويصلي فيها المغرب والعشاء جمع تأخير، ويغادرها بعد ظهور القمر، أو مع الضعفة من الشيوخ والنساء والصبيان وأمثالهم، ويذهب إلى منى لرمي جمرة العقبة، ويحلق أو يقصر، ثم ينزل إلى مكة، ويطوف الإفاضة، وما بقي من أعمال ينيب عنه من يقوم بها، ويجبر بذبح شاة عن كل عمل، أو سُبْع بقرة، ويوكل من يذبح عنه، ومن يرمي عنه الجمرات الثلاث في اليوم الثاني واليوم الثالث للعيد، وعليه ما قرره الفقهاء في كتبهم عن القران إن كان قارنًا، وعن بدل المبيت في منى، وعن عدم رمي الجمرات، وقبول ذلك، وعدم قبوله عند الله تعالى وحده، وهو العالم بظروف من احتاج إليه، وهو سبحانه القائل، في سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}.

أختم بأن تجديد النقاش في موضوع حج اليوم الواحد، بين من يعتبره حجًا صحيحًا، وبين من يعتبره تفريطًا وتشويهًا؛ أمر مفيد، والمهم أن يحج من يتهم أصحاب حج اليوم الواحد بما اتهمهم به، وسط الواقع، ويترك المواكب والكواكب، ويعيش المشقة الحقيقية، التي لم يعرف منها إلا الاسم، وترك اللباس، وعدم تمشيط الشعر والتطيب.