في مثل هذه الأيام من كل عام يحتفل الخريجون في مراحل التعليم المختلفة بتخرجهم، وتصاحب هذه الاحتفالات العديد من الفعاليات الجميلة التي تظل عالقة في وجدان الطلاب والطالبات، حيث تُعتبر لحظات الاحتفاء بالخريجين مهمة في رسم طريق المستقبل لديهم، وحافزًا للانطلاق نحو المزيد من الإنجاز والتميز.

يتشارك الآباء والأمهات لحظات الاحتفال بتخرج أبنائهم، وتُظهر الكثير من الصور والمقاطع على وسائل التواصل تلك اللحظات، وتُصورها بكل ما فيها من مشاعر عفوية ودموع تزيد من جمال الاحتفال، وتُفرح كل من شاهد أو حضر، وتنتشر التعليقات والدعوات من جميع فئات المجتمع للخريجين بالتوفيق والإبداع في القادم من الأيام.

إلا أنه ومن بين كل تلك الوجوه السعيدة يُوجد من سالت دموعه والناس يضحكون، واسترجعت تلك اللحظات المفرحة آلامًا تتجدد في أوقات فرح الآخرين، إنهم من لم يجدوا من يعانقهم ويقول لهم: «ألف مبروك يا حبيبي أنا فخور بإنجازك»، إنهم من فقدوا من يساندهم خلال مسيرتهم العلمية، وتجرعوا مرارة الوحدة في الذهاب للمدرسة والعودة إليها، وتكالبت عليهم الأيام، وابتعد عنهم أعز الناس إليهم، إنهم من فقدوا آباءهم أو أمهاتهم، أو من قدَّر الله عليه فقد أبويه، ولم يَنعُم بحنانهما ودفء روحيهما التي تغلف روحه.

إنه اليُتم، تلك الكلمة التي تُدمي الفؤاد عند سماعها فقط، فما بالك بمن ذاق مرارتها، وتجرع آلام فقد أبيه أو أمه، وعاش وحيدًا، حتى وإن توفرت لديه المادة والقدرة على العيش بكرامة، إلا أن الأرواح التي فقدها، ستظل مرارة بعدها عنه عالقة في وجدانه ولن تفارقه ما دام حيًا.

ندرك جميعًا أن كل إنسان يحب أن يتشارك لحظات فرحه أو حزنه من الآخرين، لأنه كائن اجتماعي بطبعه، ومحب للتقارب الروحي والجسدي، وهذا التقارب ينمي الوجدان، ويرأب الصدوع الداخلية، ويخفف من مرارة الوحدة، ويوفر درجة عالية من التوافق النفسي، ويدفعه نحو المزيد من التقدم، والنظرة للمستقبل بتفاؤل. لذا فإن من عانى اليُتم وشعر بمرارته في لحظات رأى أغلب من حوله محاطًا بمن يحب محتاجٌ إلى من يكفكف دموعه حينما تسيل كمدًا على والديه، ويربت على كتفه ويهنئه بأن إنجازه أفرحَ من وارى التراب أجسادهم، ولنَقُل له وبصوت عالٍ إن أبويه يفخران به حتى وإن لم يحضرا حفل تخرجه، ولم ينعما برؤية قبعة التخرج على رأسه، وإن دعواته لوالديه تصل بحول الله وقوته لتنير ظلمة قبورهما، ولتكن دموعه على فقد أبويه أو أحدهما حافزًا له على الإنجاز المتميز، فالنجاح ورقي سلم الإبداع يُولدُ في كثير من الأحيان من رحم المعاناة.

لكل من عرف يتيمًا ولاحت له فرصة تهنئته فليسارع، وليقدم له صدرًا يعانقه، ودعوة طيبة يهديها له، وقلمًا يكتب به أنشودة للحياة، ويُسطر به حكاية إبداعه وتميزه، ولنذكِّره جميعًا بما ذكَّر به النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار حينما قال له: (لا تحزن إن الله معنا).