بعد أربعة عقود مرت على إنشاء مكتبتي المنزلية الإعلامية وما ضمته من كتب وبحوث، ودراسات، وحصيلة دورات في الداخل والخارج عن الإعلام التقليدي المرئي والمكتوب، بدأت ألمح اصفرار عناوينها، ورجفة رفوفها، واختناق محتوياتها، وتيبس أطرافها.

وهذه الأسباب مجتمعة وغيرها عَجّلَت بعقد اتفاق بيني وبينها تتوارى بموجبه عن الأنظار إلى الأبد، لأن الزمن ليس زمنها، بعد انتشار الإعلام الرقمي وتوجه الكثير من الناس إلى ساحاته، مع أن البعض للأسف انخدع بهذا القادم الجديد وأدواته وشروطه التي لا تحتاج في رأيهم القاصر إلى تخصصات وخبرات وثقافة وحكمة.

يعتقدون أن الإعلام الجديد هو توفر جهاز بث مصغر (النقال) مزود بكاميرات التصوير والمونتاج، والتحرر من شروط اللغة، صناعة الخبر، فن التحرير، المسارعة في نشر المحتوى مهما كان مستواه ليتابعه جمهور متنوع المشارب، ورصد التأثير من خلال الردود والتعليقات الفورية.


وزاد «الطين بلة» تزوير الذكاء الاصطناعي للصور، الأصوات، الأخبار، الشخصيات، فاختلط الحابل بالنابل.

وجاء اقتناعي بالتخلص من مكتبتي حين وجدت الفرق الكبير بين الإعلام الرقمي الجديد والتقليدي في النظريات والأهداف والتأثير والسرعة، وتذكرت أياماً خلت كيف كانت طريقة إنتاج حلقة برنامج تلفزيوني مدته ثلث ساعة، يستنفر مجموعة من المتخصصين في التصوير، الإضاءة، الصوت، المونتاج، الإخراج، إدارة الأستوديو، الإنتاج، الإعداد، إلى جانب مذيع يتصبب عرقه رهبة وهيبة من الثلاثي «المايكرفون، المخرج، المراقبة»، وكم يتحمل ضيوف البرامج من أجل مشاركاتهم وانتظارهم حتى تتم إذاعة وبث المادة سواء أكانت إخبارية أو منوعة؟. ونفس المعاناة في صناعة الأخبار وأهمية مرورها على المصافي الدقيقة، لعشرات المحررين، والمسؤلين.

أما اليوم فتزداد الدهشة بعد أن أضحت الصورة والكلمة «بضاعة في يد جلابها»، وكلٌ ارتدى ثوب الإعلام، وكلٌ يدعي وصلاً بليلى.

وصدرت مؤخراً بعض الدراسات والمؤلفات عن الإعلام الرقمي إلا أنها لم تستطع حتى الآن ملاحقة طفراته وتغيراته السريعة، وهل له محطات يتوقف فيها؟. وكيف تتغير أدواته وتطبيقاته المتنوعة ما بين تويتر، الفيس، الواتس، السناب، التوك وغيرها؟.

يبقى الناس يتساءلون إلى متى يصمد الإعلام التقليدي أمام الجديد؟ وهل من الممكن أن يستعيد مجده ويتصالح مع جمهوره ويوسع انتشاره بأساليب عصرية؟.

أترك الإجابة لأهل الاختصاص في مراكز البحوث، وإن كنت أشك حدوثه، لأن الماضي لن يعود، والتطورات متسارعة، وجيل اليوم غير جيل الأمس.