كثير من الأمور تأتي وتذهب في هذه الحياة، المال والمنصب والعلم والجاه لكن هناك شيئاً يبقى ما بقي الإنسان، أو حتى يمتد إلى بعد رحيله من الدنيا وهو جوهر والإنسان وأخلاقه وتواضعه!

البعض يعتقد أن المنصب يغير الإنسان، لكن أنا أفضل مقولة إن المنصب لا يغير الإنسان، ولكن يظهره على حقيقته ومعدنه!

ملاحظة لا أستطيع تعميمها لكن تلفت الانتباه، بعض الجيل الجديد من المسؤولين بعد أن يتبوأ المنصب يتغير وحتى طريقة تعامله، قد أجد له الأعذار من زحمة أشغال المنصب والمسؤوليات، لكن في المقابل أجد أن بعض المسؤولين المخضرمين أو بالأحرى رجال دولة رغم جدولهم الأكثر ازدحاما وعلى رغم مسؤولياتهم الأكبر ما زالوا لم يتغيروا للتواصل معهم في المناسبات والأعياد.

عادة لا أحب التواصل مع المسؤولين إلا في المناسبات من باب الأدب والأخلاق، وكما يعرف كثيرون عندما تعيش خارج البلد لعقود، لا تكون لديك طلبات تطلبها أو مصالح لتسأل المسؤول، يعني بالمختصر حملك خفيف،

وعادة في المناسبات أحبذ إرسال التهاني إلى الجميع على حد سواء الصغير والكبير، كل واحد باسمه ولقبه، من مسؤول كبير إلى سواق البيت، لا نحبذ أن نرسل تهنئة جامدة لا لون لها ولا رائحة من دون اسم أو لقب، حتى يشعر أن التهنئة مخصصة له شخصيا.

الحق يقال الغالبية يقدرون التهاني والتبريكات الشخصية، سواء مسؤولين كباراً أو ناساً عاديين، إلا بعض الجيل الجديد من المسؤولين الذين نفقد الاتصال معهم بعد التعيين بوقت قصير!!

بكل صراحة لا يهمنا الموضوع شخصياً لكن ما نخشاه أن هذا النوع من التصرف يكون عاماً لأصدقائهم والدائرة المحيطة بهم قبل المنصب، ونخشى أن يتعدى ذلك الانقطاع حتى عن المواطنين الذين يخدمهم أو أصحاب الحاجة ممن تستلزم وظيفته أو عمله خدمتهم، ويصبح معزولا في برج عاجي من باب وضع حواجز بينه وبين الناس وأن هذا من متطلبات أبهة المنصب!!

القيادة العليا عندما تضع أحداً في منصب هي خدمة الوطن والناس، إذا كان يخدم الناس فكان بها، ولا أحد سيعاتبه حتى أصدقاؤه على الانقطاع أما إذا كان الموضوع كبراً وغروراً، فالله يعينه على نفسه!

نحن أهل الرياض ومنذ عقود تعلمنا حسن التواضع وعدم الغرور من شيخنا وأميرنا والآن ملكنا سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله- الذي كان يعطينا يومياً درساً في التواضع وسمو الأخلاق والمعدن الأصيل في الإمارة من خلال استقباله مئات الناس من مختلف الطبقات، وعلى رغم خشونة وربما جلافة بعض المراجعين في التعامل فإنه كان بهدوئه وتواضعه وحكمته يعلمنا كيفية التعامل مع الناس، أنا شخصياً تعلمت كثيراً من الدروس من سيدي الملك سلمان عندما نزور الإمارة ومجلسه، وكنت تسأل نفسك إذا هذا ولد عبدالعزيز ويتعامل مع الناس بكل تواضع وحكمة رغم أن بعض المراجعين الذين يأتون للإمارة لا يملكون أدنى أسلوب أو رقي في التعامل وطلب الحاجة فما بالك بنا نحن الناس العاديين! وكان سلوكه حفظه الله دروساً نتعلم منها، لا أحبذ أن أذكر أمثلة الملك سلمان للمقارنة، لأني لا أقارن (أبو فهد) في نظري بأي أحد مع احترامي للجميع، لكن أفضل مقولة أن يكون الناس على أخلاق أمرائهم.

آمل لا نخسر كثيراً من الناس الطيبين أو هكذا أظنهم بسبب سحر الكرسي، وبهرجة من حولهم، الذين سينفضون من حولهم بسرعة الضوء وسيرجع إلى أصدقائه القدماء!

أتمنى من كل مسؤول أن يحضر نفسه وإرثه وسمعته للمنصب، ماذا سيقول الناس عنه بكل موضوعية وما سيتركه من سمعة سواء خير أو غيره!

على العموم من الأفضل للشخص أن يعامل الآخرين على حسب أخلاقه ومعدنه ولا يتخذ قاعدة المعاملة بالمثل مع الأصدقاء القدامى، حفظاً للعشرة، ويستمر كما هو عليه فإذا ردوا فهذا حسن معشر منهم، وإذا لم يردوا وانقطعوا فابحث عن 70عذراً لهم.