عندما انفجرت الأزمة الآسيوية في النصف الثاني من 1997 سارع بعض من أبرز القادة والمفكرين الآسيويين يتهمون الغرب بأنه هو من حاك المؤامرة.

وتستطيع هنا أن تلاحظ بسهولة أن فكرة المؤامرة تعاود ظهورها للحال في كل مرة تمنى فيها تجربة تاريخية بالفشل. وفي كل مرة يراد فيها إلقاء تبعة هذا الفشل على عاتق الآخر.

لكن هذا التحليل السوسيولوجي العام، حتى وإن صدق في جميع حالات الفشل، لا يقول مع ذلك كل الحقيقة، وخاصة بالنسبة إلى آسيا الشرقية التي كانت هي دون سائر أجزاء آسيا (المحل الهندسي) للمعجزة الآسيوية.

هذه المعجزة قابلة للتلخيص برقم واحد. فقبل 1960 ما كانت حصة آسيا الشرقية من الناتج العالمي الخام تتعدى 4% فارتفعت في منتصف التسعينات، وقبل انفجار الأزمة الآسيوية، إلى 24% من الناتج العالمي. وعلى حين أنه لم يكن لآسيا الشرقية (باستثناء اليابان) من وجود في الخارطة الصناعية للعالم قبل 1960، فإن إحصائيات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن نصف الإنتاج الصناعي العالمي كان قد غدا في أواخر التسعينات آسيوياً.

وكثيراً ما قيل في تحليل هذه المعجزة الآسيوية أنها نتيجة لمحاكاة مزدوجة للغرب: اليابان التي قلدت أولاً تجربة التصنيع الغربية، وآسيا الشرقية التي قلدت بعدئذ اليابان.

لكن هذه المحاكاة الصناعية قامت أيضاً على خلفية من المقاومة الثقافية. وصوت هذه المقاومة هو الذي عاد يرتفع عندما تحدث من تحدث من الآسيويين، مع انفجار أزمة 1997، عن مؤامرة غربية.

هذه المقاومة الثقافية هي موضوع الكتاب الأخاذ عن (صدام أوروبا/آسيا)

ذلك أن لقاء آسيا الشرقية بالغرب، تماماً كما لقاء المنطقة العربية به، أخذ شكل صدمة. فآسيا الشرقية، التي تحوز خمسة آلاف سنة من التقاليد الثقافية، أصيبت بجرح نرجسي عميق عندما اكتشفت نفسها فجأة متأخرة في مرآة الغرب المتقدم. ولا سيما وأن هذا الاكتشاف جاء على أصوات المدافع: فتماماً كما قيل إن مدفعية نابليون أيقظت المصريين وسائر العرب من خمولهم التاريخي، كذلك فإن مدفعية السفن الأمريكية الأربع التي دوت في مرسى مدينة أوراوا عام 1853هي التي أيقظت اليابانيين. ومن بعدهم سائر الآسيويين، على واقع وجودهم الآسيوي الشرقي.

ولا شك أن التاريخ الآسيوي بات قابلاً منذ ذلك الحين، تماماً كالتاريخ العربي، لأن يكتب بازدواجية جذرية كراهية الغرب المستعمر والمهيمن، والإعجاب في الوقت نفسه بتقدم هذا العدو الغربي.

هذه الازدواجية لم تتسلم حدتها نجاحات المعجزة الاقتصادية، بل على العكس. فلم يحدث قط أن شعر الآسيويون بأنهم آسيويون كما عندما أفلحوا في احتلال مكان لهم تحت الشمس في مسيرة التقدم على الطريقة الغربية. وتلك القيم الآسيوية التي كُتب الفصل الأول من فصولها في جمهورية سنغافورة الصغيرة التي كانت - مع هونغ كونغ - أسبق التنانين الآسيوية وأكثرها تجلية في ميدان المعجزة الاقتصادية.

2000*

* كاتب وناقد ومترجم سوري «1939 - 2016»