تقليديا، كان هناك ما يقرب من نوعين من الحروب، (الحرب المتماثلة) وهي التي تقع بين الجيوش والقوات النظامية و(الحرب غير المتماثلة) وهي التي تقع بين الجيوش النظامية وقوات غير نظامية سمها ما شئت متمردين أو ميليشيات أو ما يسمى (الجهات الفعالة غير الحكومية) مثل الأحزاب أو الجهات التي لا تمثل دولة أو بين بعضها البعض.

كانت الحرب النظامية بين الدول تقاس عادة بعدد الجنود وعدد المعدات العسكرية الخ... وتكون ساحات المعركة معروفة بينما الحروب غير النظامية تعتمد على الكر والفر والخ من تكتيكات حروب العصابات.

لكن شهدنا في الحروب الحديثة والحالية تغييراً ملحوظاً ومختلفاً اختلافاً كبيراً، فحتى الحروب النظامية بين الدول تغيرت دراماتيكياً، وهذا أصبح جلياً في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان وبين روسيا وأوكرانيا حالياً،

نجوم الحرب لم تعد الدبابات والطائرات فقط، بل أصبحت طائرات الدرون (طائرات من دون طيار) فهي السلاح المفضل الذي لا يستغنى عنه في الحروب الحديثة، أصبحت الهجمات بالدرونات الانتحارية وغيرها هي التكتيك المفضل، بسبب رخص ثمنها وأيضاً سهولة نقلها وتصنيعها، وأثرها في المعركة، أصبحت الهجمات بأسراب عديدة من الدرونات هي الخطة السائدة بين الأطراف، حتى لو تم إسقاط بعضها فإن البقية قادرة أن تحدث الأضرار المطلوبة في الخصم، هذا غير فارق الكلفة، درونات انتحارية قد تصل كلفتها لبضعة آلاف تدمر آلات عسكرية ومعدات بالملايين! وحتى اكتشافها ومكافحتها أصبحت أصعب وأكثر كلفة، تصور أن تدمر دروناً كلفته بضعة آلاف بصاروخ سعره مئات الآلاف، ولك أن تتصور عندما يكون الهجوم مركزا أو بأعداد كبيرة من الدرونات أو ما يسمى الإغراق فإنه يصبح من الصعب ملاحقتها جميعاً وفارق التكاليف كبير!

أيضاً تغيرت الحروب ولم تعد دبابة مقابلة دبابة كما كانت الحروب الكلاسيكية أو جندي مقابل جندي، الآن الحروب تفضل أن تكون عن بعد ومع الكثافة النيرانية، شهدنا استخدام مكثف لراجمات الصواريخ بعيدة المدى وأيضاً صواريخ الكروز، أي الحروب عن بعد، فمنها تقليل الخسائر على المهاجم وإحداث أكبر ضرر ممكن على الخصوم! وكالعادة شهدنا أيضاً تكتيكات الإغراق بأعداد كبيرة للصواريخ والراجمات بشكل متزامن، من أجل إشغال الخصم وحتى لو صد بعض الصواريخ يبقى البعض في مساره لإحداث الضرر، شهدنا صواريخ كلفتها صغيرة نسبياً تطلق من مسافات طويلة دمرت قطعاً حربية كلفتها مئات الملايين مثل القطع البحرية!

وحتى سلاح المدرعات والدبابات كان له دور كبير في التقدم في الحروب، الآن مع تطور صواريخ مضادات الدبابات، فقد أصبحت الدبابات هدفاً سهلاً نسبياً للجنود، وكأنها حرب غير نظامية، صاروخ يكلف الآلاف قادر على تدمير دبابات تساوي ملايين.

الدروس الحالية من حروب مثل أرمينيا وأذربيجان وروسيا وكرواتيا، ستغير النظرة والاستراتيجيات والتكتيكات للحروب لسنوات طويلة قادمة! الحروب النظامية أصبحت إلى حد ما أشبه بحروب غير نظامية لكن بتطور بعض الأدوات، سيكون الشغل الشاغل ربما لعديد من الدول الاستفادة من الدروس العسكرية لحروب مثل حرب أوكرانيا وروسيا، وإعادة هيكلة الأولويات وأيضاً التركيبة والأدوات للجيوش الحديثة، فاليد الطولى وحروب عن مسافات أبعد أصبحت هي الترند في الحروب، والتركيز على تطوير الدرونات أو المسيرات الانتحارية وغيرها وزيادة أعدادها وتقنياتها، وفي المقابل أيضاً دراسة كيفية مقاومتها والتصدي لها، خصوصاً الهجمات المنسقة المتعددة من طريق الإغراق،

سلاح الدروع أيضاً أصبح يحتاج إلى تغيرات مثل التخلص من كابوس الصواريخ المحمولة المضادة للدروع ومن خلال تبني أنظمة القتل الصعب والسهل، التي ستصبح أولوية لكل المدرعات والدبابات، زيادة أعداد صواريخ الكروز والصواريخ التكتيكية وأنواعها وأيضاً الصواريخ الفرط صوتية وزيادة مداها لتكون الضربات في العمق، وزيادة أعداد راجمات الصواريخ وكثافتها النيرانية ومداها، حتى دول مجاورة للحرب مثل بولندا شهدنا كيف أنها طلبت أعداداً كبيرة جداً من الراجمات، أعداد لم يكن أحد يتوقعها لأي دولة أوروبية لولا دروس الحرب، يبدو أن كل شيء تقني في هذا العالم يتطور بسرعة، ويبدو أن الحروب ليست استثناء، فكما بدأت الحروب بالحجر والعصا تاريخياً وتطورت إلى الرمح وللسيف والترس، الآن نشهد عصر الدرونات والكروز ومضاداتها، وتغير الفكر من قطع كبيرة كان تودي بعض الأدوار مثل القطع البحرية الكبرى وغيرها التي كانت تكلف مئات الملايين وربما المليارات، الآن نفس الدور والأثر قد تقوم به درونات وصواريخ كروز بجزء بسيط جداً من الكلفة النسبية!

كإنسان محب للسلام أتمنى أن تنتهي الحروب بأسرع وقت ممكن، لأن من يعاني عادة في الحروب هم المدنيون المساكين الذين لا ناقة لهم ولا جمل، لكن ذكرنا هذا التغيير الكبير في الحروب الحالية من باب المعرفة لأن المعرفة مهمة جداً للسلام ويقال، إذا أردت السلام فكن مستعداً للحرب!