يشترك ابن خلدون مع الفيلسوف الألماني فريدريش هيجل في كونهما تناولا مسألة التاريخ البشري من زاوية خاصة، وحاولا كتابة تاريخ الحضارة بمعناها الشامل الذي يسعى للكشف عن القانون العام الذي ينظم حوادث التاريخ. ولكن تختلف رؤية ابن خلدون للتاريخ عن رؤية هيجل. فتعاطي ابن خلدون مع التاريخ لا ينطوي على وجود أساطير مبطنة، فهو يتعامل معها علميا عن تتبع الحوادث والوقائع التاريخية وربط أسبابها بمسبباتها، ولا يؤمن بوجود قوة خفية كامنة في الطبيعة ومحركة للكون والتاريخ. والعقيدة السائدة عند مفكري العرب والمسلمين هي الإيمان بمشيئة الله، سبحانه وتعالى، وينزهون الخالق عن عالم المخلوقات.

يعد هيجل من ضمن الفلاسفة المؤثرين الذين آمنوا بعقيدة وحدة الوجود ذات الأصل اليوناني، ومضمونه أن الآلهة تحل وتتحد بعالم المخلوقات، وانعكس إيمانهم بتلك العقيدة الدينية على مجمل أفكارهم ونظرتهم للكون والحياة. ويربط هيجل حركة التاريخ وأحداثه المتوالية بوجود عقل كلي أو روح مطلقة، وهذا العقل يسيطر على حركة التاريخ ويمثل جوهر الطبيعة والكون. وبواسطة المنهج الجدلي الهيجلي (الديالكتيك) يمكن الوصول للأسرار الإلهية الكامنة في حركة التاريخ وسير الأبطال والقادة العسكريين. ارتبط اسم هيجل بالديالكتيك وهو منطقه الذي يفسر من خلاله حركة التاريخ ويؤدي في نهاية المطاف إلى الكشف عن الحقائق الإلهية الخفية الكامنة في الطبيعة، وهذا المنطق الهيجلي كما يتضح غير علمي وغير عقلاني، ولا يمكن توظيفه لفهم القوانين الطبيعية علميا.

يقوم منطق هيجل الجدلي (الديالكتيك) على الإيمان بأن ظواهر الوجود جميعا في حالة من التناقض وهذا التناقض مصدر كل حركة، والروح المطلق أو العقل الكلي هو الذي يخلق كل ظاهرة ويمنحها القدرة كي تطور نفسها وتنتج ظاهرة جديدة. وهذا المنطق باختصار هو مبدأ الحياة بأسرها -بحسب هيجل- فالحياة بكل ظواهرها والتاريخ بكل وقائعه من إنتاج عقل واحد وروح واحدة يؤلف مجمل أفعالها ما يسمى «التدبير الإلهي» وفي الثقافة العربية الإسلامية إيمان راسخ بالمشيئة الإلهية وأن كل ما يحدث في الكون بمشيئة الله وتقديره، وفي المقابل هناك تأكيد على تنزيه الخالق عن عالم المخلوقات، بمعنى أن الله، سبحانه وتعالى، يسير الكون والحياة دون أن يحل أو يتحد مع المخلوقات. وهنا يكمن الاختلاف الجوهري بين رؤيتي ابن خلدون وهيجل لحركة التاريخ وسير أحداثه ووقائعه.

في كتاب «جدلية الفلسفة السياسية والمنهج عند هيجل» يقول الباحث العراقي في فلسفة هيجل، حامد عبد الحمزة العلي: «شهدت الحقبة التي راجت خلالها فكرة المطلق في الفلسفة المثالية، ظهور فلسفة مثالية مناظرة قريبة من فكرة العناية الإلهية، حيث إن الله في اتحاد مباشر مع كل فرد يوجهه في مسار حياته، وأن هناك تدخلا إلهيا في مفاصل التحول البشري الكبرى في التاريخ تؤكده حقائق الماضي». يتضح من كلام حامد العلي تأثر فلاسفة أوروبا بالأساطير والمعتقدات اليونانية كون الفلسفة المثالية في الواقع ليست إلا تراثا يونانيا يترتب عليه الإيمان بوحدة الوجود. وقد اصطدمت هذه العقيدة بتعاليم المسيحية في القارة الأوروبية كما اصطدمت بتعاليم الإسلام بداية من العصر العباسي وهو العصر الذي شهد بداية تسرب الأساطير والمعتقدات اليونانية لنسيج المجتمع الإسلامي. وقد أفرد لها أبو حامد الغزالي كتابا يحمل عنوان «تهافت الفلاسفة» الذي يمكن تلخيصه بأنه محاولة لدحض عقيدة وحدة الوجود وتوضيح تهافتها.