توصف الحوكمة بأنها الاستغلال الأمثل للموارد بكل أنواعها في المنظمات، وتهدف لتجويد الأعمال، وضبطها والرقابة عليها عبر ممارسات متبعة تؤدي في النهاية إلى بيئة عمل أكثر صحية وإنتاجا.

لقد رأينا كيف غيرت الرؤية الوطنية 2030 ومستهدفاتها السعودية إلى الأفضل، ودفعت المؤشرات المحلية والدولية إلى مراكز متقدمة في مبادراتنا التي نتجت عنها مشاريع نوعية، وهذا بالطبع عائد لأحد العوامل القوية وهي الحوكمة.

الآن تخيل معي قانوناً للحوكمة على مستوى الدولة! لعل هذه خطوة ضرورية للغاية لأن الحوكمة قائمة على أذرع لها، وهي المراجعة الداخلية والالتزام والامتثال وإدارة المخاطر، وتعني المراجعة الداخلية فحص وتقييم كل شيء في المنظمة بغرض رفع الأداء وزيادة الكفاءة بشتى أنواعها والالتزام والامتثال تعني متابعة التزام المنظمة بالقوانين والتعليمات، والتأكد من وجود نظام رقابة صارم في المنظمة ومتابعة كفاءة عمله، وإدارة المخاطر تعني أن هناك مخاطر تحتاج إلى إدارة ورصد، ومحاولة لتجنبها قدر الإمكان فهناك مخاطر تشغيلية ومخاطر تشريعية.. إلخ. هذه تعريفات مبسطة جدا ولها تفريعات، ولكل ذراع من أذرع الحوكمة أعمال أخرى، والمفاهيم فيها تتطور يوما بعد يوم إلى أن وصل العالم إلى مفهوم بيئة المراجعة الداخلية القائمة على إدارة المخاطر والتي تستبق الأحداث لا أن تنتظرها.

الآن مجددا تخيل معي أن يفرض هذا القانون للحوكمة على كل من بيئة العمل في القطاع الحكومي والقطاع الخاص؛ بل بحيث يكون هناك مراجعين خارجيين محاسبين قانونيين الآن كيف تتوقع أن يكون عندئذ مؤشرات المملكة في مبادراتها ومشاريعها النوعية؟ مع الأخذ بالاعتبار أن الحوكمة مطبقة في الجهات الحكومية والبنوك والشركات المساهمة؛ إلا أنني هنا أدعو لقانون حوكمة يضبط الممارسات ويجودها ويراقبها، وإلى جهة مركزية لتنفيذ هذا القانون ليكون مطبقا على الجميع.

كيف من دون حوكمة يستطيع قادة أي قطاع تنفيذ الاستراتيجية؟ الاستراتيجية بكل بساطة هي كيف تدير المنظمة أو الإدارة العامة أو القسم ومواردها -أيا كان نوعها- نحو أهداف محددة ضمن وقت معين عبر مبادرات يكون تحت كل مبادرة مشروع نوعي، وعلى كل مشروع مؤشرات لقياس الأداء قابلة للقياس وهناك مؤشرات على مستوى المنظمة، وعلى الأقسام وعلى الأفراد كذلك لا يمكن أن تنجح استراتيجية دون حوكمة ولا يمكن للحوكمة أن تنجح دون قانون ضمن سياسة عامة تكون التشريعات جزء منها.

وهناك تجارب دولية لقوانين الحوكمة ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر قانون ساربينز أوكسلي Sarbanes-Oxley Act من القوانين المهمة في عالم الحوكمة وأقر منذ سنة 2002 عندما انهارت شركة أنرون وورلد كوم، ومنذ ذلك الوقت تطورت الحوكمة مما يستدعي التفكير في المرحلة القادمة، وكيف تلعب الحوكمة دورها في التطوير على شتى الأصعدة.

عند إقرار قانون للحوكمة سوف تقفز الأرقام والمؤسسات المحلية والدولية للمملكة إلى بعد آخر، ولنتذكر أن كل مبادرات الرؤية ومشاريعها النوعية تحكمها مبادئ الحوكمة لكنني ما أدعو إليه اليوم هو قانون ممارساتي متبع على مستوى الدولة بالكامل، ويخضع له أي كيان منظم مما يسهم في حماية حقوق الأطراف كافة، منظمات كانوا أو أفراد. إن الحوكمة ضرورة قصوى في هذا الزمن المتسارع، والذي تتداخل فيه العلاقات بأنواعها كافة، ويتطلب الإفصاحات وإنشاء نظام رقابة متكامل، ولعل إنشاء جهاز يتولى هذه الحوكمة ويتابع ممارساتها على مستوى الدولة في كافة القطاعات ضرورة لا رفاهية.