يعمد كثير من الأشخاص إلى استغلال القوامة للتسلط على المرأة مستدلين بقوله تعالى «الرجال قوامون على النساء»، مع أن هذه الآية جاءت لتخص المنحرفات أخلاقيًا وليست للحياة الزوجية المعتادة، فنص الآية «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن...» فالناشز هي من ارتكبت الفاحشة أو من هي على وشك ذلك.. يبين ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٌ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجعِ واضربوهن ضربًا غير مبرِّحٍ» سنن الترمذي 3087، فهذا الحديث يؤكد بجلاء أن المراد بالناشز المعنى السابق، فالعقوبات التي ذكرها هي الموجودة في الآية مما يعني أنها شرح لها. وهذا الضرب الوارد في الحديث إما أن يكون حد الزنا وهذا في حال عدم القول بحد الرجم، أو أنه للحد الذي لم يثبت بالشروط المعروفة فيكون عقوبة تعزيرية، وعلى أي معنى فهو للحاكم.

يؤكد ذلك أن من نخاف نشوزها جاءت في مقابل الصالحة الحافظة للغيب، وحفظ الغيب في هذه السياقات يراد به العفة من ممارسة الرذيلة كما جاء على لسان يوسف عليه السلام في قوله تعالى «ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب» فهو هنا ينفي خيانته لعزيز مصر في زوجته، وهذا على الرأي الذي يقول أن هذا من قوله، وهناك من يقول إنها من قول امرأة العزيز.. وإذا علمنا أن هذا هو معنى الصلاح علمنا معنى النشوز ليصبح عكس هذا المعنى لأنه قد قابله به، ويؤكد ذلك أيضًا أنه جاء في قوله تعالى «وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا» ثم قال بعدها «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء...» أي في حال انصرافكم عن الأولى والميل للثانية.

فكل هذا يؤكد أن النشوز هو الرغبة بشريك آخر أو الفاحشة، ولا يعني الخلافات الزوجية المعروفة، بدليل أن الوعظ والضرب والهجر جاء منصبًا عليها هي فقط، مع أن الخطأ قد يكون من الزوج وبنسبة مساوية لها بخلاف الإنحراف الأخلاقي لها فإنه واضح، وأما الخلافات الزوجية بسبب نفقة أو خروج أو غيرها فتتناولها الآية التي بعدها «وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكمًا من أهلها» فهذه الآية للخلافات، وليست المرحلة الرابعة بعد الوعظ والضرب والهجر كما يتردد دائما.

فضلًا عن أن الآية لا يوجد بها ما يشير إلى أن الضرب للأزواج فقد يكون الضرب المحكوم به قضائيًا - كما أسلفت - في حال ظهور الفاحشة منها، والوعظ لكل أحد، والهجر للزوج حفظا للأنساب إلى أن تقلع عن الإنحراف. وهذا التفسير أولى من القول بأنه الضرب بالمسواك أو السفر بهن أو غيرها. فهو المتوافق مع المنطق ومع النصوص الأخرى التي تحمل نفس المصطلحات.