لا يخفى على الجميع الأدوار السياسية والدبلوماسية والانسانية التي تقوم بها قيادتنا الرشيدة في توثيق علاقاتها مع الدول وفق مبادئ سياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتبادل المصالح المشتركة، هدفها أولاً وأخيراً تعزيز الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي والعالمي. ولعل ما قامت به المملكة مؤخرا في استضافة مؤتمر دولي للتوسط في حل النزاع الروسي الأوكراني في جدة يعكس الدور القيادي الحقيقي للمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، في جهودهما الدائمة للإسهام مع المجتمع الدولي في وأد ووقف الحروب والصراعات والنزاعات، والوقوف الدائم والثابت في مساندة القضايا العربية والدولية العادلة.

لقد دأبت المملكة تحت توجيهات قيادتنا الرشيدة في هذه البلاد المباركة في تقديم المبادرات الإستراتيجية السلمية السياسية والأمنية والاقتصادية الرائدة على المستويين العالمي والإقليمي، من بين هذه المبادرات قدمت المملكة قبل عدة سنوات مبادرة تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي يضم في عضويته المملكة ومصر والأردن واليمن والسودان وإرتيريا وجيبوتي والصومال، والهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو توحيد الجهود والتعاون المشترك لهذه الدول حيال إيجاد إستراتيجية مشتركة للبحر الأحمر وخليج عدن، تشترك فيها قيادات هذه الدول سياسيا واقتصاديا وأمنيا وبيئيا، وتعمل هذه الإستراتيجية على تأمين الخطوط الملاحية البحرية والاستثمار والتنمية الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار لجميع الدول المشاطئة ودعم مصالحها المشتركة، والتعاون المشترك في مواجهة التحديات المتوقعة من القرصنة والتلوث والصيد الجائر، وكذلك في ردع كافة القوى الخارجية التي تحاول المساس بمصالح وأمن دول المنطقة.

يتميز البحر الأحمر بموقعه الجيوسياسي، حيث يربط قارات العالم الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، والبحر الأبيض المتوسط، والمحيط الهندي، والخليج العربي، وبالتالي فإنه يشكل أحد أهم الممرات البحرية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حيث تمر به إمدادات الطاقة والمواد الخام لأوروبا والولايات المتحدة والغرب والصين واليابان وغيرها من دول العالم، وقد ذكرت تقارير إعلامية أن حجم التجارة العالمية التي تمر من خلال خطوط الملاحة البحرية بالبحر الأحمر سنويا يقارب 2.4 تريليون دولار، تمثل نحو 13% من التجارة العالمية.

ونظرا لأهمية تأسيس هذا المجلس العربي الإفريقي فإنني أقترح عدة مبادرات، آمل أن تسهم في تحقيق أهداف هذا المجلس، من هذه المبادرات: أولاً التوقيع على ميثاق احترام تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار من قبل جميع الدول الأعضاء فيما يتعلق (بالبحر الإقليمي للدولة، والمناطق المتاخمة، والمناطق الاقتصادية الخالصة..الخ)، ثانياً أهمية وجود ميثاق تعاون أمني استخباري مشترك بين جميع الدول الأعضاء لغرض تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وإيجاد قاعدة بيانات مشتركة تسهم في رصد وتحييد ووقف أعمال القرصنة البحرية وتهريب المخدرات والهجرة غير المشروعة والصيد الجائر، والعمل على تخطيط وتنفيذ تدريبات وتمارين أمنية مشتركة تشارك بها القوات البحرية والجوية وحرس الحدود والجهات الأخرى ذات العلاقة من كافة الدول الأعضاء؛ لغرض رفع الجاهزية والاستعداد في إنجاح القيام بالمهام الأمنية المشتركة المطلوبة. ثالثا التعاون المشترك حيال توفر الإمكانيات والقدرات البشرية والفنية لغرض استمرارية مراقبة منطقة البحر الأحمر ومنطقة خليج عدن والتأكد من سلامة وأمن خطوط الملاحة البحرية، ومنع السفن وناقلات النفط وغيرها من القيام بأعمال محرمة قد تتسبب في تلوت البيئة وتلوث المياه، والتأثير السلبي المباشر وغير المباشر على الحياة الفطرية في البحار.

لعل هناك مزيدا من المبادرات والمشاريع الهادفة التي تعزز من قوة ونجاح هذا المجلس، وأؤكد أن التعاون الصادق والجاد لهذه الدول مع المملكة العربية السعودية سيحقق أهداف المجلس بنجاح، وستنعكس بعون الله ثمار هذا التعاون في تعزيز أمن واستقرار وازدهار الدول الأعضاء وتحقيق الأمن البحري للبحر الأحمر وخليج عدن.