عن الفن والفنانين (البدائيون وشعوب ما قبل التاريخ، أمريكا القديمة وبلاد الرافدين وكريت، واليونان، من القرن السابع إلى القرن الخامس قبل الميلاد، عن مملكة الجمال.. الرومان والبوذيون واليهود والمسيحيون، من القرن الأول إلى القرن الرابع الميلاديين، روما وبيزنطة من القرن الخامس إلى القرن الثالث عشر، نظرة إلى الشرق، الإسلام والصين من القرن الثاني إلى القرن الثالث عشر، الفن الغربي في البوتقة، رجال البلاط وسكان المدن، الضوء واللون، انتشار العلوم الجديدة ألمانيا والأراضي المنخفضة أوائل القرن السادس عشر رؤيا ورؤى أوروبا الكاثوليكية، مرآة الطبيعة هولندا، السلطة والمجد، عصر العقل، انعطاف آخر للتيار الماضي المتغير، انتصار الحداثة).. عناوين لمحتويات تزدحم بها صفحات كتاب ( قصة الفن) لمؤلفه إرنست غومبريتش

عاطفة زائفة

وضع الكتاب من أجل أولئك الذين يشعرون بالحاجة إلى توجيه أولي في مجال ساحر وغريب. ويقول عنه مؤلفه (حين كتبته فكرت أول ما فكرت في الناشئة الذين اكتشفوا عالم الفن بأنفسهم. ولكني لم أعتقد قط أن الكتب المخصصة للشباب ينبغي أن تختلف عن الكتب المخصصة للكبار إلا في أنها يجب أن تحسب حساب فئة متطلبة من النقاد الذين سرعان ما يكتشفون أي رطانة متكلّفة، أوعاطفة زائفة ويستاؤون منهما).

الكتاب الذي ظل يطبع منذ صدوره عام 1949 حتى وصلت طبعاته للثلاثين طبعة،هو رواية قصة الفن بالكلمات والصور، وتمكين القراء قدر المستطاع من رؤية صورة اللوحة أمامهم في أثناء مناقشتها من غير قلب الصفحة. أصبحت صفحات كتاب قصة الفن في رحلته الطويلة، مألوفة عند عدد من الناس أكثر مما خطر للمؤلف أنه ممكن، ورأى المؤلف أنه من الواضح أن تحويل هذا الكتاب إلى مجلد ضخم من شأنه أن يشوّه طابعه الخاص ويحبط هدفه.

التعبير القوي

ما يصح عن الجمال يصح عن التعبير أيضًا. إن تعبير الشكل في اللوحة هو الذي يجعلنا في الواقع نحب أو نكره العمل في أكثر الأحوال. وبعض الناس يحبون التعبير الذي يسهل عليهم فهمه، وبالتالي يهزّ أعمق مشاعرهم.

ففي القرن السابع عشر، عندما رسم الفنان الإيطالي غويدو ريني رأس المسيح على الصليب كان يقصد بلا شك أن يجد المشاهد في هذا الوجه كل آلام المسيح المبرحة وكل عظمتها وفي القرون التالية استمد كثير من الناس القوة والراحة من هذا التصوير للمخلص.

فالشعور الذي يعبر عنه قوي وواضح بحيث إن نسخا من هذا العمل يمكن أن توجد في مزارات على جوانب الطرقات، وفي منازل مزارعين نائية، حيث لا يعرف الناس شيئًا عن الفن، ولكن حتى لو استهوانا هذا التعبير القوي عن الشعور فلا ينبغي أن يصرفنا ذلك السبب عن أعمال قد يكون فهم تعبيرها أقل سهولة.

ما يقلق الفنان

يرى إرنست (إن الفنانين قلما يذكرون تلك الأفكار المتعلقة بالجمال والتعبير، والتي تقلقنا عادة نحن الذين لا ننتمي إلى أهل الفن والحال لم تكن هكذا دائمًا، إنما كانت هكذا طيلة قرون ماضية، وهي كذلك الآن.

وسبب ذلك جزئيًا هو أن الفنانين يتصفون بالخجل في الغالب ويرون أن استخدام كلمات كبيرة مثل «الجمال أمر مربك». ولو تحدثوا عن التعبير عن العواطف، واستخدموا صيغًا مكررة مماثلة لشعروا بالتعالي على الآخرين. ومثل هذه الأمور يعتبرونها من المسلّمات ويجدون مناقشتها عديمة الجدوى هذا أحد الأسباب وهو يبدو سببًا وجيها، ولكن هناك سببًا آخر وأنا أعتقد أن هذه الأفكار تؤدي في هموم الفنان اليومية الفعلية دورًا أصغر مما نتوقع فما يقلق الفنان وهو يخطط، أو يسود، أو يتساءل عما أنجز، أمر أصعب من أن يُعبَّر عنه بالكلمات. لعل ما يشغله هو «صحة» العمل الذي أنجزه. ونحن لا نبدأ في فهم ما يرمي إليه الفنان إلا حين نفهم ما يعنيه بكلمة «صحة» الصغيرة المتواضعة تلك.

توازن الأشكال والألوان

يضيف إرنست «أعتقد أننا لا نستطيع أن نفهم ذلك إذا اعتمدنا على تجربتنا الخاصة. نحن لسنا فنانين طبعًا، ولربما لم نحاول رسم صورة قط، ولعلنا لا ننوي أن نفعل ذلك أبدا. ولكن هذا لا يعني أننا لا نواجه مشكلات تماثل المشكلات التي تلازم حياة الفنان وأنا حريص في الواقع على أن أثبت أنه لا يوجد إنسان ليس عنده فكرة بسيطة عن مشكلة من هذا النوع مهما كانت متواضعة فكل من حاول أن يرتب باقة من الورد أن يخلط الألوان وينقلها أن يضيف شيئًا هنا وينقص شيئًا هناك، قد اختبر هذا الإحساس الغريب بتوازن الأشكال والألوان من غير أن يعرف على وجه الدقة أي نوع من الانسجام يحاول أن ينجز. نحن نشعر فحسب أن بقعة حمراء هنا قد تجعل الكل مختلفًا، أو أن اللون الأزرق يكون على ما يرام إذا أفردناه، إلا أنه لا ينسجم مع غيره، وفجأة قد يبدو لنا أن شعبة أوراق خضراء قد تجعل وضع الباقة صحيحًا». ونصرخ: «لا تلمسوها بعد الآن، لقد اكتملت». وأعترف أنه ليس كل واحد يعنى بترتيب الورد، ولكن كل واحد تقريبًا عنده شيء يرغب في جعله «صحيحًا».

وقد يكون ذلك مجرد العثور على حزام ينسجم مع لباس معين، أو حتى مجرد الاهتمام بالتناسب الصحيح بين الحلوى والقشطة في الصحن وفي كل حالة من هذه الحالات، مهما كانت تافهة، قد نشعر أن زيادة في شيء أو نقصانا في شيء يقلب التوازن، وأن هناك علاقة وحيدة هي العلاقة التي تجعل التوازن كما ينبغي أن يكون.

الألفاظ الطنانة الطويلة

الناس الذين يهتمون على هذا النحو، بالورد والثياب والطعام، يمكن أن ندعوهم «متأنّقين»، لأننا قد نشعر أن هذه الأشياء لا تسوّغ اهتمامًا كبيرًا. ولكن ما يمكن أن يكون عادة سيئة في الحياة اليومية، ولذلك يكتم في الغالب ويُحجب، يصبح مفيدًا في مجال الفن.

فحين يتعلق الأمر بالأشكال وتوافقها، لا شك في أن الذوق في الفن أكثر تعقيدًا بما لا يقاس من الذوق في الطعام والشراب. فالأمر لا يقتصر على اكتشاف مختلف النكهات الصعبة التحديد، بل هو أمر أكثر خطورة، وأكثر أهمية. فعلى الرغم من كل شيء، إن كبار الفنانين قد أعطوا كل ما عندهم في هذه الأعمال، وكابدوا من أجلها، وأراقوا دمهم عليها، وأقل حقوقهم علينا هو أن نحاول فهم ما أرادوا القيام به. إن تعلم الفن لا ينقضي، فهناك أشياء جديدة دومًا على المرء أن يكتشفها. وأعمال الفن العظيمة تبدو مختلفة في كل مرة نقف أمامها، تبدو غير قابلة للنضوب ولا يمكن التنبؤ بها شأن البشر في الواقع. إنها عالم مثير للمشاعر له قوانينه الخاصة، ومغامراته الخاصة، لا أحد ينبغي أن يظن أنه يعرف كل شيء عنه، إذ لا أحد يعرف. وربما لا شيء أكثر أهمية من التأكيد أنه حتى نستمتع بهذه الأعمال يجب أن يكون لنا عقل جديد، عقل مستعد لالتقاط كل إشارة، وللاستجابة لكل توافق مستتر وألا يكون هذا العقل مزدحمًا بالألفاظ الطنانة الطويلة، والعبارات الجاهزة.

التحوّل إلى أدعياء

يؤكد إرنست على أن عدم معرفة الفن خير من نصف المعرفة المؤدية إلى الادعاء، والخطر محدق بالفعل فعلى سبيل المثال، قد يأخذ بعضهم النقاط البسيطة التي تناولتها في هذا الفصل ويفهمون أن أعمالًا فنية عظيمة لا تتصف بأي من الصفتين الواضحتين جمال التعبير أو التخطيط الصحيح، ولكنهم يصبحون مزهوين بما يعرفون، بحيث يدّعون أنهم لا تعجبهم إلا تلك الأعمال التي ليست جميلة ولا صحيحة الرسم. ويستحوذ عليهم خوف من أن يُعدّوا غير مثقفين إذا أفصحوا عن إعجابهم بعمل يبدو ممتعًا، أو محركًا للمشاعر على نحو بين ثم ينتهي بهم الأمر إلى التحوّل إلى أدعياء يفقدون التمتع الصادق بالفن، ويعتبرون كل ما يجدونه منفرًا بعض الشيء مثيرًا للاهتمام. وأنا لا أحب أن أتحمل مسؤولية أي سوء فهم مماثل، وأفضل ألا أفهم مطلقًا على أن أفهم على هذا النحو غير النقدي.

إرنست هانز جوزيف غومبريتش( 1909 – 2001)

* كاتب ومؤرخ بريطاني الجنسية نمساوي المولد.

له العديد من الكتب والمؤلفات في:

التاريخ

الفن

الثقافة

أشهر كتبه:

قصة الفن

مختصر تاريخ العالم