تحدث تغيرات خطيرة لعقيدة الكثير من شبابنا العربي، في الماضي كانت على نطاق ضيق وعلى استحياء أو ربما خوف وقد يكون لعدم تواجد مساحات حرة للتعبير، المهم أن اليوم وعندما ندخل إلى المواقع التي تناقش العقيدة أو الدين أو الفكر، نجد زيادة مخيفة في نسب التعليقات التي تشير إلى التشكك أو الإلحاد! ماذا نفعل؟ هل ندخل رؤوسنا كالنعامة في الأرض عل وعسى أن تختفي الظاهرة؟ هل نستهزئ بهم ونقلل من شأنهم وننعتهم بكل ما نملك من قاموس الشتائم؟ هل ندخل معهم في نقاشات جلها تأنيب بوتيرة غضب وكراهية واشمئزاز؟ هل نتركهم دون أن نمد لهم يد العون حتى ولو كانوا يظهرون بأنهم لا يردونها؟ هل نريد أن نخسرهم حقًا؟!

كي أعرض موضوعي لليوم سوف أضع لكم إجابة شاب يافع على السؤال التالي: «لماذا أصبح الكثير من الشباب ملحدين؟» كتب يقول: «أنا شاب ملحد أبلغ من العمر 16عامًا، لذلك أعتقد أنني أستطيع الإجابة على السؤال، لقد نشأت في عائلة مسلمة. لم أشكك في الله مطلقًا عندما كنت طفلاً واستمتعت حقًا بتعلم الدين، وكلما فعلت شيئًا جيدًا، شعرت بخطوة أقرب إلى الجنة، لكن عندما كان عمري ما بين 11-12 عامًا، أدركت أن هناك أشياء لم تكن منطقية بالنسبة لي على الإطلاق! لم أفهم لماذا سمح (يقصد هنا الله) بحدوث مثل هذه الأشياء السيئة؟! لم أفهم لماذا يريد معاقبة الناس على الأشياء التي كان يعلم أنهم سيفعلونها، كما أنني لم أفهم لماذا أراد منا أن نصلي؛ أعني، إذا كنت (هنا وكأنه يخاطب الله) تعرف بالفعل ما أريد، لماذا أحتاج إلى التسول؟! لم أفهم لماذا خلقنا في المقام الأول؛ هل شعر بالملل أو شيء من هذا؟! ورغم كل ذلك، كنت ما أزال مسلمًا لأنني فكرت: ماذا لو كان هذا صحيحًا؟ هل أريد المخاطرة به؟».

لكن عندما كان عمري 14 عامًا، وجدت موقعًا إلكترونيًا تركيًا يسمى (لن أضع هنا الاسم حتى لا تكون دعاية لهم)، ولقد استمتعت حقًا بقراءته؛ تعلمت أن التطور حقيقة علمية! كانت تلك هي المرة الأولى التي بدأت فيها حقًا في التشكيك في الله والدين. ثم قرأت المزيد عن التطور والانفجار الكبير وما إلى ذلك. وفكرت: «إذا كنا نعرف كل هذه الأشياء وحتى الأشياء التي لا نعرفها بعد، وقد تم بحثها واكتشافها، فأين أصنف احتياجي إلى الله إذن؟» وأصبحت ملحدًا.

خلاصة القول، «لقد أصبحت ملحدًا بسبب الإنترنت والمعرفة التي لدينا، فمعظم الشباب يصبحون ملحدين لأننا نعرف الكثير الآن، لقد كان هناك عدد أقل من الملحدين من قبل لأننا كنا نعرف أقل؛ سيكون من الصعب حقًا أن تعتقد أنه لا يوجد خالق عندما لا تعرف حتى سبب هطول الأمطار. سوف يفكر الآخرون بنفس الشيء عنا في المستقبل».

والآن لتحليل إجابته: نلاحظ أولاً صغر سنه وقلة خبرته في الحياة كما نلاحظ لاحقًا جهله أصلا بالعلم وماهية النظرية وما التبعات المنطقية أو العلمية لأي اكتشاف علمي. ثم نلاحظ أنه رغم تنشئته في بيئة دينية إلا أنها لم تكن منفتحة على الحوار؛ بمعنى لم يكن هنالك نقاش واضح وشفاف مع الطفل للإجابة على تساؤلاته التي قد تطرأ في ذهنه، أو ربما لم يكن هنالك تفسيرات واضحة لأمور تمس العقيدة مثل أنواع الابتلاء والقضاء والقدر، وماهية العبادة وغيرها من الأساسيات.

يغيب عن الكثير من أولياء الأمور أن الشباب من صفاته التمرد والشك والمغامرة وأهم من ذلك الفضول والتجربة. وفي هذا العصر المفتوح على العالم من خلال الإنترنت، نترك له «السايبر» ليسبح به دون توجيه أو إعداد أو حتى مراقبة، فماذا تكون النتيجة يقعون فريسة للملاحدة الذين يستخدمون سلاح العلم غير الواضح وغير المكتملة أركانه، بحيث يعرضون عليهم نظريات تم مناقشتها ودحضها من نظراء على المستوى نفسه من العلم والمعرفة، لا وبل يحولون نتائج الاكتشافات حسب أهوائهم! بالنسبة لنظرية التطور لمن يرغب توجد قائمة طويلة من الدراسات والمقالات العلمية التي تدحض النظرية وتقدم الأسباب بالأدلة من العلم والحفريات، أما بالنسبة لنظرية الانفجار العظيم تستخدم من قبل الملاحدة كحجة كونية إلحادية مفادها أن علم الكون الكلاسيكي للانفجار الكبير لا يتوافق مع الإيمان بالله بسبب الطبيعة غير المتوقعة لتفرد الانفجار الكبير، بينما أنها تبرهن على أن الكون له بداية؛ وكل ما يشمله من توازن ودقة واتساع يشير إلى متسبب ذي صفة أزلية قوية ذكية غير مادية قامت بإيجاده أو خلقه، وبالطبع لا يعرض على الشباب الرؤى والتفسيرات الأخرى، ويتم سحبهم بالإبهار المبني على جهلهم!

يقول الدكتور فلاح الدليمي في بداية بحثه عن الملحدين الجدد، وهي حركة ظهرت في بداية هذا القرن، «ويلاحظ من خلال ما بيَّناه عن الإلحاد الجديد وأبرز رموزه أنَّ هؤلاء الملاحدة الجُدد لهم أساليب مقزِّزة جدًا في استدلالاتهم، ونجد فيها هشاشة ظاهرة، ومغالطات منطقية واضحة، وفيها جرأة على كل الثوابت والقيم التي يؤمن بها المسلم والمؤمن الحق لا سيما في طرح أفكارهم الإلحادية، ومن ناحية أُخرى هم يتَّبعون أسلوبًا نفسيًا ويكون مؤثرًا أحيانًا في عرض أفكارهم لمن لم يكن مُتسلحًا بالعلم الشرعي الصحيح، والخطورة تكون أكبر لمن نشأ بعيدًا عن تعاليم الدين وثوابته، ومن هنا تكمن خطورة ترجمة كتبهم وطرحها في الأسواق لعوام الناس فإنَّ فيها خطرًا كبيرًا ينبغي التنبيه إليه»، ولعلي هنا أضيف أيضَا كل ما يُقدم من مواد على وسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله الإنترنت من المواقع والمحاضرات والبرامج الحوارية والدراما، التي تدعو للإلحاد وتزينه بأعين الشباب!

بعد أن زودوا الشباب قليل الخبرة والمعرفة بل للأسف الكثير من المثقفين والعامة بحجج فكرية زائفة مقنعة في شكل انتقادات صحيحة للدين، تمكن الملاحدة من شن هجوم ممنهج وحاد على الدين، حتى أصبح اليوم، لا يُنظر إلى الشخص المتدين على أنه مجرد شخص يفتقر إلى الذكاء فقط، بل أيضًا شخص متخلف تمامًا وعنيف ومعارض للتقدم! هذه الهجمة المستعرة وهذا الاستخفاف المستمر بالدين، هو ما يسبب ارتفاع عدد الشباب الملحد في المجتمعات الإسلامية!

والآن عد للأسئلة في بداية المقالة وفكر في إجاباتك، ليس هذا فقط بل فكر أيضًا بدورك كولي أمر، كمثقف، كرجل دين، كمسؤول تربوي، كإعلامي... كمؤمن يشعر حقًا بقيمة الخسارة عندما يقرأ «أنا شاب ملحد»!