تحقيق التنمية المستدامة يتطلب مشاركة جميع القطاعات والجهات المعنية بالتنمية في تنفيذ متطلبات تحقيق رؤية 2030، التي تتضمن في تفاصيلها مستهدفات التنمية في جميع جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية؛ وعليه فإن القطاعات تختلف في نوع وحجم المسؤوليات المناطة بها لتحقيق المستهدفات، استناداً إلى طبيعة دورها ودرجة أهميتها في المشاركة بما يستدعي تحديث جميع لوائحها وتشريعاتها وأنظمتها ذات الصلة بتطلعات الرؤية والاستدامة، لأن عدم مراجعة اللوائح والتشريعات بهدف تحديثها؛ يجعل مشاركتها عقيمة بل وتكون حائلاً دون بلورة الأهداف المستجدة إلى منجزات فاعلة، أو تكون المنجزات ضعيفة وغير متناسقة في تحقيق الأهداف والتركيز على الأولويات، سواء فيما يخص القطاع الواحد أو ما يتطلبه التنفيذ والإجراءات من مواءمة متزامنة لتحقيق الأهداف ما بين القطاعات وفق خطة مشتركة تخدم الإستراتيجية الوطنية الشاملة.

تُعد الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية من أهم الجهات المعنية بتحقيق مستهدفات التنمية والاستدامة في جميع ما يتعلق بها من متطلبات تفصيلية لجودة العملية التعليمية والارتقاء بمخرجاتها، ويرتبط بذلك جودة الإنتاج البحثي وانتقاء موضوعاته وتصويب توجيهه، سواء ما يتصل بالرسائل العلمية أو أبحاث الترقية أو غيرها من الأبحاث العلمية التي يستهدفها الباحثون. ولذلك فإن التعليم العالي مسؤول بالدرجة الأولى عن أهمية تحقيق أهدافنا الوطنية في الموضوعات البحثية والدراسات العلمية، بما يخدم معالجة التحديات التنموية والدفع نحو تحقيق التطلعات للرؤية. علاوة على مسؤولياته العلمية المضافة في معالجة ودراسة تحديات عالمية وإقليمية، وذلك يشمل الدراسات النظرية والتطبيقية في التخصصات العلمية.

أطلق صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس أمناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» الإستراتيجية الجديدة للجامعة، التي تهدف إلى تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي، بالتركيز على الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار لصحة الإنسان واستدامة البيئة، والطاقة المتجددة، واقتصاديات المستقبل، إضافة إلى تعزيز الشراكات الدولية والمحلية المثمرة، والشراكة مع القطاع الخاص بما يسهم في تحقيق رؤية 2030.

وتوثيقاً لما قاله سموه فإن «كاوست» ومنذ تأسيسها تميزت بأبحاثها وابتكاراتها ومواهبها، حتى أصبحت الجامعة من إحدى الجامعات البحثية الرائدة على مستوى العالم؛ وعليه فإن الإستراتيجية الجديدة تمثل عهداً جديداً للجامعة وتحولاً في أسلوب تفاعلها مع تطلعات الوطن وتحقيق رؤية 2030 بهدف تحقيق مستقبل أفضل للمملكة والعالم، وفي ذلك ترسيخ لمكانتها العلمية والأكاديمية التي وصلت لها عبر نحو أكثر من عقد ونصف من الزمان.

تركز إستراتيجية «كاوست» الجديدة على زيادة فرص تحويل الأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي، ويشمل ذلك ثلاث مبادرات، وهي: إطلاق معهد التحول الوطني للبحوث التطبيقية (NTI) وإعادة تنظيم معاهد الأبحاث في الجامعة بما يتماشى مع الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، وتأسيس صندوق الابتكار التقني العميق (DTIF)، بميزانية تقدر بـ750 مليون ريال، بهدف الاستثمار المبكر للصندوق في الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في التقنية الفائقة، بما يعزز من فرص التنوع الاقتصادي المستهدف ويُسهم في توليد كثير من الوظائف التقنية النوعية.

ولعل من أحد أهم مستهدفات الإستراتيجية الجديدة؛ توفير فرص نوعية للباحثين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب، وتمكينهم من تطبيق العلوم والأبحاث، لإحداث أثر مستدام من خلال تعزيز الشراكات العالمية والمحلية، التي ترتبط بها عديد من المبادرات، ومن خلالها وعبر الشراكات ستسُهم «كاوست» في تطوير منظومة التعليم العالي وقادة البحث العلمي، وفي تسويق البحث وتبادل الابتكار العالمي وتحفيز نمو الشركات الناشئة القائمة على التقنية المتقدمة، بما يعزز من تنافسية اقتصاد المملكة وريادتها عالمياً في الابتكار.

استطاعت «كاوست» بفضل ما سُخر لها من إمكانات ونفقات متميزة؛ من تحقيق مكانة جعلتها تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث الاقتباسات لكل عضو هيئة تدريس وفقاً لتصنيف «QS» لعام 2021، فيما تم تضمين الإنتاج البحثي للجامعة في أهم %25 من المجلات العلمية الأعلى تصنيفاً عالمياً، ويشارك خريجو «كاوست» في مجموعة من الشركات العالمية والمؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث، كرؤساء تنفيذيين وباحثين مثل: وكالة ناسا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ونيوم وجهات أخرى.

تصويب معايير توجيه الإنتاج البحثي في «كاوست» وإعادة بوصلته نحو الوطن وتحدياته وأولوياته إضافة إلى دعم إبداعاته وابتكاراته؛ من الأهمية بمكان، باعتبارها متخصصة في الجانب البحث المتقدم والمعتمد في جانبه التنفيذي على معامل وأجهزة عالية الدقة ورفيعة الجودة في مخرجاتها ونتائجها البحثية، الذي استفاد منه الباحثون العاملون في الجامعة، في دعم بحوثهم ونشرها عالمياً.

لتوسيع فائدة الجامعة بما تمتلكه من إمكانات وخدمات؛ هناك حاجة مُلحة لتسهيل إجراءات دخولها لمختلف الباحثين والقطاعات المعنية بالتنمية، في إطار تنظيم مرن، يتيح لهم الاستفادة من الأجهزة والمعامل والتقنيات التي تتمتع بها الجامعة بأفضل مستوى وأعلى الإمكانيات وأرقى الخدمات.

الاهتمام بالجانب التطبيقي للأبحاث والدراسات العلمية سيحولها إلى منتجات اقتصادية فاعلة تدعم إستراتيجية التنوع الاقتصادي وتنمية الصناعات؛ بما يتطلب التركيز على موضوعات البحث العلمي، بداية فيما يعالج التحديات ويغذي الابتكارات والإبداعات، ويعزز الاستثمار في موارد الوطن ومقدراته، وبما يُمكن الكفاءات الوطنية للاستفادة من تلك الكيانات العلمية قيادات وعاملين ومتدربين، استثمار ما تتمتع به «كاوست» وغيرها من إمكانات وموارد وتقنية وطاقات بشرية مؤهلة، سيكون ذراعاً لتحقيق تنمية وطنية شاملة ومستدامة اجتماعياً واقتصادياً.