تقرأ في كتاب: العدو الحميم the intimate enemy لكل من المفكر جاي فينلي والدكتور ألين دكستاين تأملات فلسفية وسيكولوجية تتصل بالسلوك الإنساني، التي يقدمانها في سلسلة أفكار سلوكية تتكئ في مجملها على أطروحة إنسانية تساؤلية:

لماذا الاستمتاع بالحياة عالمياً صار صعبا للغاية؟

فالحياة موزعة ما بين انقضاض الزمن ورهبة المستقبل.


لنفكر في الطاقة التي نهدرها كل يوم مع الناس والأشياء والأحداث فكلها تنتهي مع الزمن. فالحقيقة الوحيدة التي يمكنها إثراء حياتنا هي تلك التي نصنعها بالتجربة.

وفي ظل هذا الوعي، فإن علينا أن نتجاوز تفكيرنا المعتاد ونلاقي الحياة بطريقة نوعية تمكننا من رؤية الأشياء كما هي هذا التحول الواعي ينبغي أن نطوره إلى فعل إرادي عند ذلك تكون حياتنا في الوضع الصحيح.

إن البعض من الجيل الجديد عاجز عن قراءة الواقع بطريقة منهجية فعواطفه وليس عقله هي التي تقود حياته ولذلك فإنه ينزلق بلا وعي في أنماط سلوكية سلبية وعند ذلك يعيش حالة تعددية من الشخصيات المزدوجة والمتناقضة والسبب يعود إلى محدودية خياراته وقراراته الصائبة.

فالخيار والقرار الإيجابي يحددان مستوى الحياة الفعالة فنحن انعكاس لخيارتنا وقراراتنا.

ولذلك فإن القرارات الفعالة وليس الظروف هي التي تصنع الحياة. فعندما نواجه أحداثاً أو مواقف ولا نتماسك حولها نلجأ إلى تغيير الظروف أو البيئات أو الأشخاص ولكن معاناتنا لا تكمن فيهما وإنما في ردود فعلنا اتجاهها والطريقة التي نفكر بها.

ولذلك فإن عدم قناعتنا بمستوى حياتنا يكمن في طريقة الفهم وليس في النتيجة المترتبة على الفهم وبنفس المستوى فإن حياتنا تزداد ضآلة كلما تقدمنا في العمر لأننا رسمنا صورة ذهنية للكيفية التي ينبغي أن تسير عليها حياتنا مع الزمن هذا الانكماش التدريجي يخلق إحساساً بالتوقف عن التواصل مع الحياة بصورة فعالة.

هناك أعداد كبيرة من الناس ينتهون بعد سن التقاعد ويفقدون الإحساس بالإنتاج والابتهاج بالحياة ولذلك لا يملكون سبباً ملزماً للمستقبل.

فكما يقول المفكر روبنز: قد لا يهم إذا ما كان عمرك ثمانية عشر عاماً أو ثمانين عاماً عندما لا يكون لديك دافع أو حافز للحياة فكلاهما موجودان في داخلك بغض النظر عن عمرك الزمني ينتظران منك القرار فقد دلت الإحصاءات أن أنجح الناس هم من يتخذون القرارات والخيارات النوعية في أي الأعمار كانوا.

فإذا لم تتخذ أي قرار حول كيفية تسيير حياتك فإنك ستكون في الواقع قد اتخذت قراراً بأن يتخذه غيرك.

ومن جانب آخر فكر قليلاً هل هناك فارق بين أن تكون مهتماً بأمر ما وأن تكون ملتزماً به، لا شك أن هناك فارقاً كبيراً بينهما.

فكم مرة تقول أود أن أكون على هذه الصورة غير أن هذا القول لا يمثل التزاماً على الإطلاق بل هو تعبير عما تود أن تكون عليه، ولذلك فإنك لن تستطيع أن تقرر نوع الشخص الذي تكون عليه دون تجاوز الأعذار التي تحول دون إجرائك تغييرات نوعية في حياتك.

من كان يظن مثلاً أن قرار رجل هادئ بسيط شديد التواضع يكره الحرب من ناحية المبدأ كغاندي أن يحرر الهند من الحكم البريطاني.

وهيلين كيلر التي بقرارها انتصرت على ثلاث معوقات في حياتها فقد كانت صماء بكماء عمياء ولكن قرارها بتجاوز تلك المعوقات جعلها أحد رموز الإنسانية وأعظم شخصية في القرن التاسع عشر.

وآخر وإيد روبرتس كان رجلاً عادياً مقعداً لا يستطيع الحركة إلا بالكرسي المتحرك، ولكنه أصبح إنساناً فريداً بحكم قراره بأن يتصرف في ما يتجاوز الحدود الظاهرية المفروضة عليه.

فكان قد أصيب بالشلل الرباعي منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره وظل يستخدم أداة للتنفس عانى صعوبات كبيرة إلى أن أتقن استعمالها لكي يعيش حياة يمكن أن توصف بأنها طبيعية أثناء النهار، بينما ينام داخل رئة حديدية أثناء الليل بعد أن صارع إيد روبرتس داء شلل الأطفال في معارك عديدة كاد يفقد فيها حياته كان يمكنه أن يكتفي بالتركيز على آلامه غير أنه قرر أن يقوم بعمل فريد يفيد به الآخرين.

فماذا استطاع أن يفعل؟

فقد شن حرباً معنوية ضد المعوقات التي تقف في طريق حياة الفئات الخاصة أدت إلى تحسينات في حياتهم، فقد بادر إلى مواجهة الأساطير والخرافات والأوهام التي تثبط من قدرات ذوي الإعاقة، إذ ابتدع أساليب جديدة تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم.

ولقد كان «إيد» أول شخص يعاني من شلل رباعي يتخرج في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، واحتل في ما بعد منصب إدارة إعادة التأهيل في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وكان أول واحد من الفئات الخاصة يتولى هذا المنصب.

إيد روبرتس دليل قوي على أن المهم ليس الموقع الذي تبدأ منه، بل القرارات التي تتخذها حول الموقع الذي تصمم على الوصول إليه، وكل الأفعال التي قام بها بنيت على أساس لحظة قرار واحدة فريدة، قوية وملهمة.

وقرار سيكيرو هوندا مؤسس شركة هوندا ففي عام 1938 وحين كان طالباً خرج بفكرة هي عبارة عن تطوير حلقة الصمام، التي تستخدم عادة للسيارات وتابع فكرته فإذا هي اختراع وقام ببيعه على شركة تويوتا تحول منها إلى فكرة أخرى وهي صناعة دراجة تسير بقوة محرك تدرج منها إلى صناعة دراجة [الليث الممتاز] وعند ذلك حصل على جائزة إمبراطور اليابان وبعد ذلك اتجه لصناعة السيارات ونجح في صناعة سيارة هوندا.

الإيجابي في هذه التجارب والمشروعات الكبيرة أن القرارات كانت وراء نتائجها.