يتساءل الكثير لماذا كل الإبداع والاختراعات والتكنولوجيا تأتي من الغرب ولماذا لا يكون للعرب والمسلمين قدرة على مواكبة هذه الطفرات في العلم والتكنولوجيا؟ وربما يعود السبب إلى افتقار مجتمعاتنا إلى القدرة على الاندماج في العالم الجديد بسبب محدودية المعرفة، وربما بسبب الإرث الثقافي والقيمي الذي نؤمن به ونرفض التخلي عنه. إن قدرة المجتمعات العربية على مواكبة التغييرات التاريخية والجغرافية هي علاقة تعاني من خلل، وهذا الخلل قد أثر سلبًا على عواطفنا وعقولنا وجعلنا نعيش بعقلنا القديم بينما نلبس الثياب الحديثة. إن قدرتنا على الاندماج مع كل التحديات والأسئلة الحديثة تتم من خلال إجابات متكررة وقديمة. إننا نعيش عصرنا الحالي ونحن نمتهن التقليد ولم نطلق لتلك العقول عنانها لتبحث وتجرب. ما زلنا نتمسك بالنقل ونتجنب فكرة العقل وربما أسهم هذا في عدم قدرتنا على مواكبة التحديات والخروج من عباءة استنساخ الموروث والتقليد إلى أفق التجارب والإبداع. وتقع المسؤولية الكبرى على المؤسسات التعليمية والثقافية والتي ما زالت تعاني من عجز تقني وشلل فكري في مواكبة الجديد. إننا نحتاج إلى استثارة عقول الأطفال والطلبة لتكون قادرة على مواكبة وملامسة إبداعات الحاضر والمستقبل، وهذا يتطلب تحرير المدارس والجامعات من القيود التعليمية القديمة والتخلص من الإطار التقليدي للتعليم. إن التعليم الحالي يجب أن يكون مواكبًا لضرورات الزمان والمكان، وكلما كانت تلك الفجوة موجودة فستطل قدرتنا على الإبداع محدودة وستظل أفكارنا مشوهة. إن اعتمادنا على النقل والحفظ جعلنا متحفظين في كل شيء حتى في عواطفنا، فالإنسان العربي لا يتحرك وفق أحلامه وأفكاره وطموحاته ولكنه يتحرك ضمن هالة تاريخية وموروث منقول لا يستطيع التخلص منه أو التحرر. إن المؤسسات التعليمية والثقافية ما زالت تفتقد إلى الوسائل الحديثة للتخلص من العقبات وبناء الإنسان بشكل مثالي وتخليصه من كل العوائق والتحديات. إن التعليم مهم جدًا في تكوين الشخصية وفي صنع الصورة الإيجابية وفي بناء العقل الداخلي ليكون قادرًا على تبني السلوك والنهج الإبداعي.الفجوة التي نعيشها في عصرنا الحالي تحتم ردم تلك الفجوة وجعل التغيير مطلبًا وعقيدة والتخلص من كل القيود والروتين والتكرار. فالتعليم الحالي بحاجة ماسة إلى الانتقال من الأسلوب السردي والتاريخي والتقليدي إلى أسلوب يعتمد على تنمية المورد البشري وتغذية العقل وإطلاق المجال للأفكار والإبداع والتحدي. في النهج الرباني وفي قصة النبي إبراهيم عليه السلام وبقية الأنبياء كانت رسالتهم في مخاطبة العقل، وإيضاح مدى عجزه في فهم الأمور وتفسيرها، والدعوة للتخلص من الموروث الخاطئ الذي يقيد تلك العقول (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين). وأخيرًا لقد حان الوقت لتغذية تلك العقول الصغيرة بالمدارس بحقيقة الوعي اللا متناهي وإمكانية معرفة كل أسرار الحياة والقدرة على مواجهة كل التحديات، فالعقل البشري يجب أن يكون هو الموجه والمتحكم والمستقل والمتحرر بدلًا من أن يكون مقيدًا بمنقول ومحاصرًا بحفظ معلومات متكررة.