نستفيد من نتائج إحصائيات مسح سوق العمل في تقييم مدى النجاح الذي أنجزناه في تنفيذ مستهدفاتنا التنموية ذات الصلة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية ومستوى جودة الحياة المستهدف، وعلى تلك النتائج تبُنى سياسات سوق العمل وتُصحح بنودها ولوائحها بما يخدم أهدافنا الاستراتيجية ورؤيتنا المستدامة، سواء ما يتعلق منها بسوق العمل وما يتصل به أو ما يرتبط بالمجالات التنموية الأخرى ذات الصلة بالسكان والتي تكاد تشمل معظم النظام المؤسسي بمختلف قطاعاته.
هناك انسجام وتوافق ما بين جودة مخرجات الأعمال مع مستوى المؤهلات التعليمية التي يعمل بها المشتغلون في سوق العمل، والتي تتطلب دومًا الانتقائية في عملية التشغيل بناء على مستوى المؤهلات العلمية المتاحة والمهارات الموجودة والمرتبطة بطبيعة العمل، وعليه يكون تميز المخرجات وجودتها في سوق العمل، وتؤكد متطلبات التنمية المستدامة في جودة الأعمال أهمية العمل على الرفع من مستويات المؤهلات التعليمية المشتغلة في السوق لتحقيق أفضل النتائج في الأعمال.
هناك تطور ملحوظ وارتفاع في معدل التشغيل العام في سوق العمل الوطني في معدله العام وكذلك في معدل تشغيل المواطن، وذلك بالاستناد الى إحصاءات عام 2017 للربع الأول من العام مقارنة بنفس الفترة من العام 2023، وذلك بعد أن كان معدل التشغيل العام نحو 52% (51.9%) في 2017، أصبح 58.6% في 2023، كما ارتفع معدل تشغيل المواطن من 35.2% إلى 48.0%، بينما يستحوذ غير المواطن على معدل تشغيل 75.1% في 2017، وانخفض إلى نحو 73% (72.9%) في 2023.
تشير الإحصاءات إلى وجود طفرة ملحوظة في تشغيل غير المواطنين بجميع المؤهلات التعليمية مقارنة بتشغيل المواطن، وذلك قد يكون مقبولًا في المؤهلات المتدنية المرتبطة بالعمالة التي تحتاج غير المواطنين، وذلك على الرغم من متطلبات الجودة في مخرجات الأعمال وضرورة الانتقائية في مستوى المؤهل العلمي خاصة لغير المواطن، إذ يمثل المشتغلون الذين لا يحملون أي شهادة تعليمية من غير المواطنين معدل 69% ممن لا يحملون مؤهلًا علميًا في حين يشغل قرناؤهم من المواطنين معدل 10.4% فقط، ويستحوذ غير المواطنين كذلك على نحو 80% من معدل العاملين بالشهادة الابتدائية، في حين ينخفض معدل اشتغال المواطن بذات المؤهل إلى 26%، وتتوالى المعدلات بالارتفاع لغير المواطن في معدلات المشتغلين بتعليم المتوسط والثانوي والدبلومات والبكالوريوس أو ما يعادلها إلى الدكتوراه مقارنة بالمواطنين، بمعدلات عالية وفوارق كبيرة، لا تناسب ما نستهدفه في رؤيتنا من رفع نسبة التوطين والارتقاء بجودة مخرجات الأعمال علاوة على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستهدفة.
الاهتمام بتحسين جودة الأعمال في سوق العمل الوطني يرتبط بجودة مؤهلات العاملين فيه، وإذا كانت هناك من الفرص المتاحة التي تناسب مختلف المستويات التعليمية فإن تشغيل المواطن فيها وتدريبه عليها، يكون أكثر نفعًا واستدامة من تشغيل غير المواطن، لأن تشغيل غير المواطن من ذوي المؤهلات العادية فيه استحواذ على فرص ممكنة للمواطن، بل ويمتد ذلك إلى المؤهلات العليا في حال لم يتميز غير المواطن بمميزات ومهارات تفوق المواطن ولا يوجد مثيله في الوطن بمعنى أن التشغيل لغير المواطن لا بد وأن يقنن ليرتبط بالندرة وعدم وجود مثيله أو ما يكافئه من المواطنين.
ارتفاع معدل تشغيل المواطنين ينعكس إيجابًا على الكثير من الجوانب والممارسات الاجتماعية والاقتصادية، لكونه يعالج أحد أهم تحدياتنا الوطنية والتي تتمثل في البطالة لمختلف حاملي المؤهلات التعليمية رغم كثرة وجود فرص العمل المتاحة تزامنًا مع التحول التنموي الذي نشهده وتعاظم عدد ونوع المشروعات القائمة بمختلف توجهاتها علاوة على تيسير تفعيل تحقيق التنوع لمواردنا الاقتصادية ومدخلات الإنتاج الوطني، والتي تولدت عنها الكثير من الأعمال وُسخرت لها عدد من المؤسسات الداعمة لانطلاقها سواء كمشروعات صغيرة أو متوسطة أو حتى متناهية الصغر.
تحسين مستوى دخل المواطن بتوظيفه أو دعمه في مشروعه بريادة أعمال يساهم في استقرار اجتماعي وأمن أسري من حيث تمكينه من البدء في مرحلة الزواج وتكوين أسرة ويحول دون اندفاعه نحو وسائل الكسب غير المشروع أو الانحرافات الاجتماعية نتيجة الفراغ ورفقاء السوء، كما يسهم في تحسين مجالات إنفاقه المدفوعة بتوخي الجودة في جميع مستلزمات الحياة اليومية ومتطلباتها سواء في التعليم أو الترفيه أو اللياقة وغيرها، جميع ما يستهلكه المواطن وما يستثمر فيه في الوطن يصب إيجابًا في تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.