لم يعد هناك استغراب الآن من اختيار الأمير محمد، بل تحول الاستغراب إلى انبهار وإعجاب في مقدرته على فعل كل هذه الإنجازات في هذا الوقت القصير! هناك كثيرون يتفقون والبعض في الخارج قد يختلفون مع رؤية ولي العهد لكن كليهما يجمع حالياً أنه قائد من طراز نادر ولديه الصفات والكريزما لقيادة البلد للتقدم والمستقبل المشرق.
عندما كانت هناك حملة شرسة قبل سنوات على سمو الأمير، وهي ليست حملة تشويه شرسة فقط بل ربما لم يشهد الوقت حملة منسقة دولية استخدمت فيها كل الأدوات السيئة مثل الحملة الغربية على أبو سلمان، ومع ذلك وقف شامخا وبعزم مثل طويق، (ويا جبل ما يهزك ريح!) لم يكن المقصود بالحملة محمد بن سلمان فقط ولكن رؤية وأحلام محمد بن سلمان وأحلام الوطن معه التي أصبحت واقعا وهو ما أرعب الغرب! وقد شرحنا بعض الأسباب الكامنة خلف الحملة في مقال «لماذا محمد بن سلمان» في 2019 وغيره من المقالات.
الآن الغالبية في الخارج -لأن الداخل متماسك ويؤمن كثيراً في الرؤية وخصوصاً نعني الخارج من الغربيين وصل إلى قناعة أن الأمير محمد حقيقة ثابتة في الشرق الأوسط وأصبح نطاق التأثير السعودي منتشراً دولياً ويتحكم بكثير من التوازنات العالمية، فأينما وضعت البوصلة تتجه إلى جهة أبو سلمان، والمزاج العام تغير وأصبح إعجابا وانبهارا سواء رضوا أو لم يرضوا!
لكن ما سبب هذا التغيير في المزاج العام ومشاهدة صورة الأمير على وضعها الحقيقي من دون تشويش؟
لم يستخدم الأمير الطريقة التقليدية الدارجة وهي الشراء الإعلامي والأصوات ونفوذ شبكات الإعلام أو شركات العلاقات لتحسين الصورة، بل إن الأمير استخدم طريقة استثنائية وهي جعل أعماله وإنجازاته ومبادراته وإستراتيجياته وقراراته وتكتيكاته في المسرح الدولي هي من تتحدث عنه، المفروض ألا نقول إن (استخدام الأعمال للتحدث عن الشخص هي طريقة استثنائية) لأنه هذه هو الطبيعي والأقوى والأطول تأثيراً لكن في هذا الزمن قلة من يأخذون هذه الطريقة النزيهة، لكن أبو سلمان اختار الطريق الأصعب لذلك النتيجة كانت قوية وواضحة وتحول الكثير من التحيز والإجحاف إلى إعجاب!
صحيح أن الإعلام العالمي لم يكن منصفا وكان متحاملاً ومدفوعاً من دون شك، وحتى الإعلام السعودي لم يكن منصفا للأمير على الرغم من حسن النية وكتبنا ذلك في مقال «الإعلام السعودي لم ينصف الأمير محمد بن سلمان» ونشر في مارس من السنة الماضية، لكن الآن الأرقام الاقتصادية والتنموية لا يستطيع أي أحد مقارعتها، والحنكة الإستراتيجية السياسية بين الدول العظمى أصبحت مثار إعجاب من عديد من الإعلاميين والكتاب حتى الذين هاجموا الأمير محمد سابقاً، ببساطة وبلهجة بدوية مبسطة (الأمير محمد طلع صيته بيمناه!) ولم يتم مساندته أو رفعه بالأدوات الإعلامية التقليدية.
مقابلة الأمير الأخيرة في محطة «فوكس» ليست بداية بل نتيجة، الرأي السائد والمزاج العام العالمي أدرك أن الأمير والسعودية لاعب دولي مهم لأي توازنات عالمية، حتى قبل مقابلة الأمير بفترة والوفود الغربية تتقاطر لمقابلة الأمير في السعودية، معروف عن الغربيين النفاق والحكي بوجهين لكن هذه طبيعة السياسة يجب تتقبلها وتتقبل أشخاصها كما هم، المهم هو المصالح السعودية.
أكتب عن الأمير وهو من جعل أحلامنا حقائق على الأرض، وأنا شخصياً مثل كثيرين من الشعب السعودي فإن الأمير محمد حقق لنا كثيراً من الأحلام، ما زلت أذكر عندما كتبت قبل أكثر من 13 سنة عن (السياحة في السعودية وأنها مصدر الدخل الذي لا ينضب)، هل تتصورون وقتها كيف كان الوضع؟! وكيف أن البعض حتى بعض الزملاء كانوا يقولون عن هذا الطرح خيالي وغير ممكن! والآن انظروا السياحة!
عندما كتبنا منذ عقود عن أعمدة الاقتصاد السعودي السبعة (النفط والبتروكيماويات والتعدين، الاستثمار الدولي، السياحة بشقيها، المصرفية الإسلامية، الخدمات اللوجيستية)، البعض أعتقد أنها مجرد طرح نظري أو أحلام نكتبها، والآن تم تفعيل الأعمدة السبعة وأكثر. عندما كنا نقول ونكرر ونكتب عن أهمية استقطاب الاستثمار الخارجي وأنه لا يأتي مهما حاولنا إذا لم يكن لدينا ذراع استثمارية دولية يشتري في الشركات الكبرى ومنها يحصل على النفوذ في مجالس الإدرات ومن ثم يقنعها بفتح مصانعها في المملكة ونقل التكنولوجيا، كنا نكرر هذه المعادلة مرات ومرات لسنين والبعض يعتقد أننا غير واقعيين، كل هذه الأمور التي كان يطلق عليها البعض أحلاما أو غير واقعية أصبحت حقيقة مع الرؤية!
أن تحلم أو تفكر فهذا سهل نسبياً لكن أن تحول الحلم والأفكار إلى حقيقة وواقع فهنا العقبات والتحدي، وهنا المهمة الصعبة وهنا يكمن العزم والشغف وهذا ما فعله الأمير محمد بتحويل ما كان حلما إلى واقع فهو يعشق التحديات ولا يشغله شيء عن الوصول إلى أهدافه وأهدافه عالية مثل همته تصل عنان السماء.