هل تعي عزيزي القارئ إن كنت في الرياض مقيما أو مرتحلا أنه بإمكانك أن تمضي من أقصى جنوب الرياض إلى مطارها ومن غربها إلى شرقها بـ4 ريالات فقط، في باص صنع خصيصا لظروف مدينة الرياض، مريح ومكيف وذي فئة فاخرة في جلد المقعد وإضاءته وأسلوب ونظافة ولباقة سائقه، ولغته الإنجليزية الممتازة وهكذا، ولكن سأحزنك بخبر أو قد أفرحك، بأنك ستكون الوحيد في ذلك الباص وجميع الباصات التي ستتنقل بينها حتى تصل إلى وجهتك أينما كانت داخل مدينة الرياض لساعتين متواصلة بغض النظر عن عدد الباصات التي ستستقلها، ومع ذلك فقد كنا مجموعة شباب «محشورين» في سيارة صغيرة، وإذ بأحدنا يقول «أبشركم الباص فيه واحد» ويشير إلى أحد الباصات الجديدة التي تجوب جميع أنحاء مدينة الرياض، وبتركيزي على جميع تلك الباصات وفي أنحاء المدينة وجدتها شبه فارغة وبالفعل أصبح من المستغرب أن ترى فيها راكبا واحدا رغم أنها لا تتوقف على مدار 24 ساعة. ولذلك «حشرت أنفي» مع أحد سائقي الباص عند توقفه لاستراحة بسيطة، وأمطرته بالأسئلة المتحشرة، فوجدت أنه قد قدم من كينيا خصيصا لهذا العمل، وتم تدريبه وتأهيله على أعلى معايير جودة السلامة والخدمة والاستقبال وعلى طرق الحفاظ على سلامته وسلامة الركاب بل وسلامة مرتادي الطريق، وسألته سؤالا بسيطا بكم يستهلك باصك لترا من الوقود في اليوم، فقال 300 لتر من الديزل، سواء أكان رقما دقيقا من ذلك السائق أم لا، فلنا تصور كم ريالا تنفقه حافلات الرياض على باصاتها المتجولة والشبه فارغة على مستوى المدينة والبالغ عددها تقريبا 565 باصا.
ما أريد قوله إن حافلات الرياض تعتبر من أكبر المشغلات لمثل هذا المشروع على مستوى العالم وفي هذا الوقت الوجيز وما زالت في المرحلة الثالثة وصولا إلى الخامسة، ولكن هل قامت حافلات الرياض بأي جهد يذكر في التسويق للمشروع، فإن كانت الميزانية المخصصة للتسويق صفر ريال لديهم على سبيل المثال، فلهم أن يطلبوا من قسم التشغيل، إيقاف جميع الباصات ليوم عمل واحد وتوفير ما تم إنفاقه على الوقود وتحويله لكوبونات تسويق مجانية لمن سيستقل الباص، لماذا لا تفكر حافلات الرياض بالدفع للعميل حتى يعي الخدمة، ومن ثم سيدفع هو، لماذا أحتاج أن أستقل مركبتي وأركنها في مواقف مدفوعة الأجر في المطار، لماذا أستقل مركبة أجرة بـ100 ريال، بينما تذاكر الباص لـ3 أيام كاملة بـ20 ريالا، لماذا يزاحم الوافد مستخدمي الطريق بمركبته المتهالكة، التي تعطل في منتصف الطريق وتعطل الجميع بينما بإمكانه أن يستقل حافلات الرياض شهرا كاملا بـ140 ريالا، السبب بسيط أنه لا يعرف.
وما دام أن حافلات الرياض مغفلة جانب الترويج للمشروع إلى هذا الحد فقد نمضي عاما آخر وما زلنا نسمع صاحبنا يقول «أبشركم الباص فيه راكب».