من الفأل الحسن، فراغنا السبت قبل الماضي من احتفالاتنا المستحقة بذكرى يومنا الوطني المجيد، واستمتاعنا عقبه مباشرة، وأقصد الأحد الماضي، والمصادف التاسع من شهر ربيع الأول، بعطلة رسمية تعويضية، وكان هو يوم مولد سيد البشر، صلوات ربي وسلامه عليه، كما قرره الفلكيون، ونص عليه الشيخ صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله- في كتابه المعتبر والمعتمد «الرحيق المختوم»: «ولد سيد المرسلين، صلّى الله عليه وسلم، بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة.. التاسع من شهر ربيع الأول.. بحسب ما حققه العالم الكبير محمد سليمان المنصور فوري، والمحقق الفلكي محمود باشا»، والاختلاف في التواريخ لم ولن يفسد قيمة المناسبة.

مقالي الأخير، كتبت فيه بعض الشجون عن الذكرى المتقدمة زمانا، واليوم أكتب عن اللاحقة لها، لأؤكد أنه في هذا الشهر الهجري الأغر أنارت الدنيا طلعة سيد البشر، صلوات ربي وسلامه عليه، وفي الشهر ذاته أنار مَقدمه طيبة الطيبة، مدينته المنورة به، وفي مثله أيضا فارقها للرفيق الأعلى، وعن المناسبتين الأخيرتين بالتحديد يقول سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه: «ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي المدينة المنورة، وما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه، صلى الله عليه وسلم»، رواه الإمامان الدارمي والبغوي.

ربيع الأول، شهر عظيم بالنسبة للسيرة والشمائل النبوية والمتعلقين بها، ولا يهم إن كان الأمر مثلاً، يتعلق بولادته، صلى الله عليه وسلم، أو بهجرته، أو بانتقاله للدار الآخرة، فالمسلم المحب عليه أن يهتم به هو، فداه أبي وأمي، فيفرح بالمناسبات المفرحة المتعلقة به، ويحزن في المناسبات النبوية التي فيها ما يستحق الحزن، كوفاته، صلى الله عليه وسلم، ووفاة زوجه وأولاده، رضي الله عنهم، وما حدث في غزوة أحد أو بئر معونة أو غزوة مؤتة، وغير ذلك.

لا شك أن المناسبات ليست على مستوى واحد، وبعضها يستحق التقديم على بعض، وما يستحق الفرح يقدم على غيره، إذ ليس من الحكمة أن يقال لماذا يتم الفرح بذكرى المولد النبوي، وهناك مناسبة توافقها وهي الوفاة؟ أو أن يقال كيف يكون الاحتفاء بالمولد النبوي في اليوم الذي رزئت فيه الأمة بمصيبة وفاة نبيها وسيدها؟ وذلك لأن خالقنا تعالى تعبدنا بالفرح بنبيه، بنص القرآن الكريم: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}، وهو صلى الله عليه وسلم، أعظم الرحمات، مصداقاً لقوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وفي كل الأحوال، فإن هذا لا يمنعني عن قول إن الاحتفاء الأكبر بمولده صلوات ربي وسلامه عليه، هو أن نحب سنته، وأن نحييها وندافع عنها، وأن نحبه، وآل بيته، وصحابته، ومن سار على نهجه.