فقدت المملكة العربية السعودية ركنين من أركانها في تسعة أشهر، حيث رحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز قبل نهاية العام الماضي، وقبل يومين رحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، بعد أن تولى كل منهما ولاية العهد وخدما وطنهما في مناصب عدة رحمهما الله.

رغم الحزن المضاعف الذي عاشته البلاد في مدة وجيزة، إلا أن الاستقرار السياسي الذي عاشته المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان علامة فارقة؛ مما يعزز صعود مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية، فانعكس ذلك على شعور المواطن السعودي بالأمان والاستقرار.

إذ إن المرحلة التي نعيشها اليوم تتميز بالاستقرار على عدة أصعدة، نتيجةً للخطوات الإصلاحية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين في بداية تسلمه زمام الحكم وفق رؤية سياسية ثاقبة، كان من أهمها نظام "هيئة البيعة" الذي أثبت أنه صمام أمان لضمان انتقال السلطة بشكل سلس دون احتمالات وجود فراغ سياسي، كما كان يخشى البعض قبل صدور النظام الذي أثبت نجاحه ونجاعته، حيث اعتمدت بعض الدول الخليجية على أنظمة مشابهة ترتكز على التصويت لضمان انتقال السلطة بشكل طبيعي سواء في ظروف عادية أو استثنائية.

لقد أدى نظام هيئة البيعة في المملكة إلى تكريس الشعور بالاستقرار السياسي والاقتصادي عبر وجود نظام واضح ومعلن يضمن هذا الاستقرار واستمراريته، فبعث هذا الأمر في نفوس المواطنين شعوراً بأنهم في مأمن من الأزمات السياسية، وأضحى المواطن السعودي لا يخشى من أنه سيعيش قلق حدوث الفراغ السياسي وتبعاته الاقتصادية، وذلك لوجود مؤشرات واضحة أمامه لنظام الدولة فيما يتعلق بنظام الحكم الحالي.

يتميز نظام هيئة البيعة بالدقة والوضوح، ولذلك لن يكون هناك أي نوع من القلق مما قد تحمله الاحتمالات؛ لأن مواد ولوائح الهيئة تضع القرار فيما يتعلق باختيار ولي العهد بين الملك وأعضاء هيئة البيعة، وفق نظام واضح ومحدد، وبناء على ذلك نستطيع القول إن تاريخ 27/9/1427هـ كان علامة فارقة في التاريخ الوطني.

وعلى الرغم مما تم تداوله في بعض المواقع الإلكترونية، فإن من يطلع على نظام الهيئة يدرك تماماً أن الحديث عن فراغ سياسي لا يمت للواقع بصلة، ولا سيما في ظل ربط هذا الموضوع بوجود تهديدات للأمن الوطني، على الرغم من أن الأمر غير وارد، وإنما يدخل في باب الشائعات التي قد يكون وراءها إما الجهل وترديد ما يتم تداوله أو محاولة فعلية لبث الشائعات وتعميقها.

ونظراً لاتساع الرقعة الجغرافية للمملكة العربية السعودية وثرائها الاجتماعي والطبيعي، تميزت بتركيبة سكانية اتسمت بالترابط الاجتماعي، منذ دخولها في إطار الوحدة الذي لم تشهدها شبه الجزيرة العربية قبل مرحلة التأسيس، فبالإضافة إلى الشعور بالأمن والاستقرار تأتي أهمية الشعور بالوحدة الاجتماعية، التي تتحقق بين أبناء الشعب الواحد في الرخاء والشدة، وضمن ذلك تأتي أهمية الشفافية والسير في طريق الإصلاح، وهذا ما سبق أن أشار إليه الكاتب البريطاني (باتريك سيل) الذي يرى العالم العربي "يناضل من أجل إعادة تشكيل مستقبله عبر الربيع العربي، بينما تواصل المملكة تحقيق أهدافها في التنمية والتحديث في ضوء الرؤية الاستراتيجية لقائدها الإصلاحي..".

ومن يتأمل الوضع القائم يدرك أن من دعائم الاستقرار في بلادنا هم أولئك الشباب اليافعين الذين يمثلون نموذجاً حضارياً للشباب السعودي، استطاعوا أن يركزوا على التعليم كقيمة اجتماعية وإنسانية ليحظوا بفرص جيدة للتعلّم في جامعات عالمية خارج بلادهم، وبدون شك فإن هؤلاء يعتبرون ثروة بشرية وطنية، يستطيعون تغيير المفاهيم الضيقة إلى مفاهيم أوسع محورها الوطن بكافة شرائحه وأطيافه.

ويفضي هذا الاستقرار الشامل في المملكة العربية السعودية إلى استقرار لدول الجوار، التي تعي تماماً حجم المملكة وثقلها الديني والسياسي والاقتصادي، حيث يمثل الاستقرار الاقتصادي عاملاً مهماً لثقة المواطن والمستثمر الأجنبي على حد سواء، وعلى سبيل المثال: ففي اليوم الذي أُعلن فيه وفاة ولي العهد رحمه الله سجل مؤشر السوق السعودي انخفاضاً لكنه استطاع تقليص خسائره في اليوم ذاته، وهذا ما يعتبره الاقتصاديون نتيجة للاستقرار الشامل الذي تعيشه المملكة، فالاستقرار السياسي يؤدي إلى استقرار اجتماعي واقتصادي ويدفع بعجلة التنمية إلى مدى واسع، يمكن من خلاله التحول إلى الانفتاح على العالم بشكل أكبر خلال فترة وجيزة.