الانتماء العرقي والقومي مسألة علمية، موضوعية، بيولوجية، أنثروبولوجية، ولا تستطيع الرغبات أو الهواجس أو العواطف أن تغيرها أو أن تبدلها. عدّد أخي الصادق النيهوم في مقاله الأقليات العرقية في الوطن العربي، وذكر على سبيل المثال لا الحصر الأكراد والدروز. إن صيغة «العرب والدروز» أو «العرب والمسيحيين» واردة بحضور ملحوظ في الإعلام الإسرائيلي. وقد تكون واردة في إعلام الروم والفرنجة، حيث يظن القوم أن العرب هم المسلمون والمسلمون من أهل السنة فقط، كما يبدو، لأنهم في هذه الأيام يتحدثون بغزارة عن «الأكراد والشيعة» في العراق وكأنهم وحدتان قوميتان، حتى ليجوز في عرف هؤلاء الحديث غدا عن القومية السنية!!.

في هذا الطرح شيء من الجهل التاريخي، وكثير من سوء الطوية السياسية، ومن مثل أخي الصادق النيهوم، الذي يعجبني صدقه ونيهمته معا، يدرك مغزى مقولة «فرق تسد» سيئة الصيت!.

كما تعلمون، فأنا أنتمي إلى أسرة درزية. وكما أعلم، فإن عروبة هذه الأسرة ثابتة وموثقة ومؤصلة لتسعة قرون فقط لا غير. والأغلبية الساحقة من الدروز الذين أعرفهم يعرفون هم أيضا أنهم من العرب العاربة، وهناك عائلتان أو ثلاث من العرب المستعربة، أسوة بأسر لا تعد ولا تحصى في أمتنا العربية التي تعد وتحصى.

لقد تعبت شخصيا من معالجة داء الطائفية العمياء الذي ينخر جسد هذه الأمة، ويفتحها بشكل مهين أمام كل مؤامرة، وأية مؤامرة تستهدف وجودها وكيانها وحضارتها وتاريخها ومستقبلها.

تعبت من الدراسات والتنظيرات التي تتحدث بمنتهى الصفاقة، في هذه الأيام بشكل خاص، عن النظام الشيعي في بلد ما والنظام السني في بلد آخر، وعن طارق (حنا) عزيز، وعن الدرزي كمال جنبلاط، أو فريد الأطرش أو النصراني أو الأحمدي أو البهائي أو الشافعي أو الحنبلي أو مش عارف مين. تعبت من الحوار حول ما إذا كان أبو العلاء المعري سنيا أو درزيا، وأبو الطيب المتنبي قرمطيا، وما إذا كان شكسبير هو الشيخ زبير. تعبت يا أخي، فحلوا عنها.. حلوا.

من حق المذاهب الدينية والتيارات السياسية أن تتحاور وتتراجح على هواها، لكن ليس من حق أحد القول إن فلانا بن فلان ليس عربيا، وليس من حق جورج حبش القول إن أنور السادات ليس عربيا، وليس من حق الملك إدريس السنوسي القول إن سميح القاسم ليس عربيا.

قد يكون من حق سميح القاسم القول: «أنا لستُ عربيا»، ولن أقره على رأيه آنذاك، لأن مسألة الانتماء العرقي والقومي هي مسألة علمية، موضوعية، بيولوجية، أنثروبولوجية، ولا تستطيع الرغبات أو الهواجس أو العواطف أن تغيرها أو أن تبدلها تبديلا.

وشيء آخر وأخير:

هل يعتقد أخي الصادق النيهوم، الذي يعجبني حقا صدقه ونيهمته معا، أن الانتماء للعروبة هو جائزة تمنح أو تمنع وفق رغبات الأكاديمية السويدية؟!. اللهم إني بلغت!.

1992*

*شاعروكاتب فلسطيني«1939 - 2014»