ينمو الإنسان بمجموعة من المعتقدات، ويكتسب من بيئته المحيطة المعلومات التي يبني عليها تصوراته الحياتية، ولأن طبيعته الفطرية في التفكير تقوم على تفضيل المألوف والمُعتاد وعدم الخروج عنه، فقد دفع ذلك العلماء والمؤسسات إلى ضرورة تنمية مهارة التفكير النقدي الذي يُساعد الإنسان في التفكير خارج الصندوق بشكل مختلف وبطريقة خلاَقة وإبداعية وغير تقليدية بعيدًا عن المألوف.

ويعد التفكير النقدي أحد المهارات الأساسية التي يجب على الأشخاص اكتسابها، حتى يتمكنوا من حل المشاكل والمسائل المعقدة التي تواجههم بكل سهولة واحترافية، وكذلك معرفة التعامل مع المتغيرات والمستجدات التي تحدث حوله، ولهذا يمثل التفكير النقدي أحد أفضل طرق حل المشاكل، فهو يشير إلى القدرة على استخدام المعرفة والحقائق والبيانات؛ لحل المشاكل بشكل فعال ومباشر، حيث يعتمد على تحديد المشكلة وتقييمها، وطرح وتطوير حلول مدروسة، والتفكير فيها واختيار أفضلها، وذلك في غضون إطار زمني معقول للوصول إلى النتائج المرجوة.

وانطلاقًا من هذه الأهمية، فقد بات التفكير النقدي مهارة حياتية لا غنى عنها في حياتنا، وضرورة لتحقيق ما نصبو إليه من تطور وتقدم، لهذا فقد دخل هذا النوع من التفكير مختلف شؤون حياتنا سريعًا، فأصبحنا نستثمره ونوظفه في قراءتنا وتحليلنا لكافة الحقائق والأحداث والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تجري من حولنا، كما أنه يمثل أولوية لدى الأفراد، أيضا تهتم الجماعات والدول بتطبيق التفكير النقدي في سياساتها وتعاملاتها مع الأحداث والمتغيرات أيًا كان نوعها، بحثًا عن تحقيق مصالحها والخروج بموقف وقرار يضمن المحافظة على الكيانات والحضور المشرف في المشهد الدولي، وتجنب الخوض في صراعات ومشاكل تضر بخطط التنمية وتمنع نمو المجتمعات وجودة الحياة.

وكجزء من هذا العالم فقد انتهجت مملكتنا الحبيبة وقيادتها الحكيمة أسلوب التفكير النقدي في سياساتها ومواقفها الدولية من الأزمات والصراعات السياسية والاقتصادية، بالذات التي يشهدها العالم اليوم، وما يتم مناقشته في المؤتمرات الدولية من قضايا تهم العالم.

ولو بدا لي أن أصف الحراك والتفكير السعودي والنجاحات الكبرى على مختلف المستويات ذات الشأن الدولي، والتي حققتها بلادنا جراء تطبيق مثل هذا النوع من التفكير، فيمكن اختزاله بأنه درس العقلانية السعودية الذي يعكس رؤية منفتحة تتسم باتزان الموقف ووضوح الهدف، وتقوم على الاعتدال وتحكيم العقل وعدم الاندفاع اللامدروس، وقد تجلى ذلك عبر علاقاتها العربية والإقليمية والدولية وحضورها اللافت، ومن خلال مواقفها التي ما فتئت تعبّر عن سياسات ومواقف مستقلة، تأخذ بعين الاعتبار البعدين العربي والإسلامي كركيزة أساسية في التعامل مع دول العالم المؤثرة في القرار الدولي.

وانطلاقًا من إيمان المملكة العميق بأن السلام العالمي هدف من أهداف سياستها الخارجية، فهي تدعو منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز -يرحمه الله- باستمرار إلى أسس أكثر شفافية للعدالة في التعامل والتعاون بين الدول في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، باعتبارها السبيل الوحيد إلى الازدهار والرخاء والاستقرار في العالم، ومن ثم فإنها لا تؤمن باستخدام القوة في الصراعات العسكرية بالذات، أو إبان الأزمات الاقتصادية كأداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، ولكنها تؤمن في ذات الوقت بحق الدفاع المشروع عن النفس ومحاولة الانتصار للكيان دون الضرر ما أمكن للغير، وذلك كقاعدة من قواعد القانون الدولي.

وتطبيقًا لهذا النهج، فقد تبنت القيادة السعودية خلال الأزمات التي يمر بها العالم وتحيط بنا من قريب أو من بعيد، أسلوب التفكير النقدي في تعاملها مع الأحداث القائمة ذات الأبعاد والمتغيرات التي تفرضها مواقف وواقع يستحق الكثير من التأمل، فبدت في مواقفها وقراراتها أكثر عقلانية واتزانًا وهو ما يتجلى في بيانات وزارة الخارجية السعودية ووزارة البترول وباقي المؤسسات والهيئات ذات العلاقة بالقرارات والأحداث الدولية، التي تقوم بتحديد وتقييم أسباب هذه الأحداث، وتطرح في الوقت ذاته حلولا جذرية لهذه الأزمات وتغليب مصلحة الشعوب وحاجة المجتمعات للحياة الآمنة، إضافة إلى حث المجتمع الدولي على الاضطلاع بمسؤولياته، ومنع انجرار مناطق الصراع والأزمات لمستويات جديدة من العنف والتوتر وعدم الاستقرار وتفعيل عملية تنموية ذات مصداقية تفضي إلى حياة عادلة للشعوب، بما يحقق الأمن والسلم والرفاهية.

ونحن كأفراد وشعوب، لا بد أن نعمل على تحليل جميع المعلومات بطريقة موضوعية، بالإضافة إلى وضع الأحكام المُلائمة والمنطقية للأراء والقرارات، لإن الإنسان ينمو بمجموعة من المُعتقدات ويكتسب المعلومات من البيئة المحيطة به، ومن تلك المعلومات يبنى الإنسان تصوراته الحياتية ويحدد مساراته.

من أجل ذلك، تصبح مهارات التفكير النقدي ومهارات التواصل من أهم المهارات التي نحتاجها في حياتنا اليومية والمستقبلية، لتكون لدينا القدرة على فهم العالم من حولنا بشكل أفضل وتحليل المعلومات والأفكار وفهمها بشكل أعمق، مما يُساعد على اتخاذ القرارات على نحو مُستنير، مما يُكسبنا القدرة على حل المشكلات بشكل إبداعي ومنظم، وهذا يجعل لدينا القدرة على التواصل بشكل مرن وفعال مع ما يحدث حولنا.