في أواخر التسعينيات نفذ رجل في أمريكا عملية سطو مسلح على مصرف في وضح النهار، واستولى على ما هو موجود وهرب. لما جاءت الشرطة تبحث عن الجاني في كاميرات المراقبة، لم تجد صعوبة في القبض عليه حيث لم يستخدم اللص أي قناع لإخفاء وجهه. في التحقيق سأله المحققون وكلهم استغراب «لماذا لم تخف وجهك؟»، فرد اللصّ مستغربا بل وواثقا من تصرفه لقد أخفيته! فسمحوا له بالاطلاع على التسجيل ليشاهد وجهه واضحا تماما وانهار من هول الصدمة، إذ كان يستخدم حيلة الحبر السحري باستخدام عصير الليمون - عند الكتابة بعصير الليمون على ورق لا تظهر، وعندما تقريبه من مصادر حرارة تتضح الكتابة- فقاس على ذلك وصبغ وجهه بعصير الليمون كي يكون مختفيا ولا يظهر في كاميرات المراقبة!

من هذه القصة تولد دافع قوي لطبيبين نفسيين هما (ديننغ وكروجر) للبحث عن سرّ ثقة ذلك اللصّ، ووجدا أن هناك أشخاصا محدودي الذكاء والقدرات، تكون الثقة لديهم عالية إلى درجة الغباء، بينما الأشخاص الذين لديهم قدرات ومستوى ذكاء عال يميلون غالبا إلى التقليل من ذكائهم وقدراتهم. وبعد دراسة عميقة أطلق على هذه النظرية «تأثير دينينغ – كروجر» وهي من المفاهيم الإدارية. استخلص الباحثان أنه توجد علاقة عكسية بين ذكاء الإنسان وثقته بنفسه، فكلما كان الإنسان غير مؤهل، زادت ثقته بنفسه، ويعيش مرحلة التفوق الوهمي واعتقاد أنه يعرف كل شيء. وبالعكس كلما كان الإنسان مؤهلا أكثر، قلت ثقته بمعرفته وازدادت شكوكه بافتقاره إلى المعرفة والقدرة، وسرعان ما تبدأ مستويات الثقة بالتحسن بمجرد السعي إلى التعلم ،زيادة المعرفة أكثر. فترتفع الثقة تدريجيا إلى أن تصل إلى مرحلة التنوير والخبرة. أثر هذه النظرية يفسر لنا كثيرا من الظواهر الاجتماعية والمهنية من حولنا. أحيانا تجد شخصيات (متعالمة) عقولها مجوفة وفارغة من الداخل، تفتي في كل شيء ابتداء بالسياسة ومرورا بالاقتصاد وانتهاء بالطب، لديهم إجابات لجميع الأسئلة المطروحة. هؤلاء الأشخاص هم (أبو العريف) في زمانهم!

منذ الأزل والإنسان يتعلم ويقرأ، والسعي نحو العلم والمعرفة هو ما يجعل من الإنسان مجموعة إنسان، تساعده على تجاوز العقبات وتدارك الأخطاء بوعي وإدراك تام، والقدرة على اتخاذ الإجراءات المناسبة في الحياة.

فحتى لا يكون المرء ضحية من ضحايا هذه النظرية، يجب عليه باستمرار توسيع القاعدة المعرفية لديه، وزيادة البحث والاطلاع وتنمية المحصول المعرفي، حتى لا يشابه من توقف تعلمه عند آخر حصة دراسية حضرها في صفوف الدراسة. وصدق أبو الطيب المتنبي حين قال:

ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ

وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ