عندما أعلن الديوان الملكي نبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز من خلال نعي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لأخيه وولي عهده، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رحمه الله، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة بعد ظهر يوم السبت الموافق السادس والعشرين من رجب جاء الخبر مدويا كالصاعقة على المواطن وعلى المقيم على حد سواء، ولم يكن فقده رحمه الله على أبناء الشعب السعودي أو المقيمين على أرض المملكة فحسب، بل فقده على أبناء الدول العربية والإسلامية، وحتى الدول الصديقة، وبرحيل رجل الأمن الأول فقدت المملكة العربية السعودية رجلا أمضى ثمانية وثلاثين عاما من عمره في خدمة الأمن ومقوماته، وعمل على تطوير إمكاناته البشرية والمادية، وكانت نتائج العمل المستمر لسموه – رحمه الله – في هذا المجال واضحة، ومعاشة من خلال ما ننعم به من أمن وأمان واستقرار، في وقت تعاني كثير من الدول المحيطة بنا العديد من المشكلات، والاضطرابات، ولقد كان هناك العديد من الإنجازات الكبيرة التي تحققت بفضل الله سبحانه وتعالى في مجال الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية في مختلف قطاعات الوزارة، وما ذلك إلا نتيجة لتوجيهات ومتابعة حثيثة من سموه الكريم، ولن يتسع المجال هنا لعرضها جميعا، وتحتاج إنجازاته وإسهاماته إلى مجلدات عديدة لتوثيقها، ولا نستطيع أن نفيه حقه رحمه الله، وليس له منا إلا الدعاء.
ومن يتأمل بعمق فيما قاله رحمه الله في مناسبات عديدة يجد أن كثيرا مما قاله يحتوي على معان عميقة، ولها أبعاد مختلفة، فدائما ما يردد أن المواطن هو رجل الأمن الأول.. وهذا يجعل المواطن شريكا رئيسا في هذا المجال، ومسؤولا بالدرجة الأولى عن الأمن مثله مثل رجال الأمن، وهذه نظرة فيها مشاركة حقيقية للمواطن واهتمام بالأمن والاستقرار، وغرس لقيم الأمن في نفوس المواطنين، كما كان رحمه الله يقول في كثير من المناسبات إن الفكر يجب أن يواجه بالفكر، وهذه نظرة إنسانية وعقلانية، وواقعية ومنطقية، وبذلك نجده رحمه الله أيد فكرة المناصحة لأصحاب الفكر الضال والمنحرف في بداية عمل لجان المناصحة، وشجع تحويل هذه اللجان إلى مركز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف للمناصحة، وكان لما يقوله في هذا المجال أثر واقعي، وكان لمواجهة الفكر الضال والمنحرف بالفكر المعتدل والصحيح أثر كبير على توبة الكثير ممن انخرط وراء بعض المنحرفين، وعاد الكثير منهم إلى صوابه، وهذه أمثلة لبعض ما قاله في مناسبات وطنية مختلفة.
كان الأمير نايف مهتما بتوطين الوظائف، وكانت السعودة من الملفات التي لم تغب عن باله في أي لحظة، حتى قبل وفاته بأيام عندما قابل معالي وزير العمل، كان تركيزه على هذا الجانب.. ولقد كانت للأمير نايف بصمات واضحة في مجال مكافحة الإرهاب الذي ضرب البلاد في العقد الماضي، فتمت معالجة هذا الأمر بنوع من الوعي والإدراك حيث تم الجمع بين الحزم والقوة، وبين معالجة بعض جوانب الفكر الضال وما نتج عنه بالحكمة، واللين، والتسامح كلما كان ذلك مناسبا، وتم تحقيق العديد من الأهداف بهذا النهج؛ حتى أصبحت المملكة العربية السعودية مرجعية في هذا المجال، وكثير من الدول التي عانت وتعاني من الإرهاب تستعين بخبرات المملكة، وتستفيد من خبراتها، وكل هذا ما هو إلا نتيجة للتعامل مع الإرهاب بالأساليب العلمية المناسبة التي أدت إلى نتائج إيجابية حققت الأهداف الأمنية والاستقرار.
ومع مشاغله الكبيرة في وزارة الداخلية إلا أنه لم يبخل يوما ما بالقيام بما يراه يحقق الأمن والراحة والاطمئنان للمواطن، فقد رأس رحمه الله العديد من المجالس، والمراكز، والجمعيات، والهيئات، واللجان العليا المختلفة، والجوائز، وقدم الكثير للعلم، ومجالات المعرفة؛ فكان رحمه الله يهتم بالتعليم العالي، ويعمل على تشجيع الباحثين على التركيز في أبحاثهم ودراساتهم على ما يخدم المواطن والوطن وأمنه من خلال دعم العديد من الكراسي البحثية في الجامعات السعودية حيث كان هناك ثمانية كراسي بحثية تحمل اسمه، وتستفيد من دعمه، وله جهود كبيرة في مكافحة آفة المخدرات من خلال دعمه لقطاع مكافحة المخدرات في مختلف مناطق المملكة مع التركيز على المناطق الحدودية وتطوير قدرات العاملين في هذه القطاعات الذين أثبتوا جدارتهم في محاربة هذه الآفة من خلال إنجازاتهم العديدة، وهناك العديد والعديد من الإنجازات التي لا يمكن حصرها ولن تسمح بها المساحة المخصصة لهذا المقال.
لقد غيب الموت رجل الأمن، والوفاء، ولكن إنجازاته لن تغيب، وما قدمه سموه الكريم من إنجازات لهذا الوطن لا يمكن حصرها، بل ستظل حاضرة تعبر عن نفسها، وسيظل نايف شامخا من خلال ما قدمه على مدى الستين عاما في خدمة هذا الوطن، ومن يحاول أن يوثق إنجازاته سيجدها عديدة ومتنوعة، وسيخرج بالعديد من المجلدات التي تحوي ثمرة عمر رجل الأمن والمهمات الصعبة، وما نقول إلا إنا لله وإنا إليه راجعون، ونعزي خادم الحرمين الشريفين والأسرة المالكة الكريمة في فقيد الوطن، وفقيد الأمن، ونعزي أنفسنا والشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية.. رحمك الله يا نايف وأسكنك فسيح جناته.