في شمال مدينة أبها تنتصب القرى الجميلة الوادعة، الممتدة بين التلال والهضاب، ويأخذ الإعجاب مداه بتلك العقول، التي خططت ، وأنشأت منذ مئات السنين أماكن تجمعات بشرية منتجة.

ويتضح جلياً في الاختيار الذكي لمواقع المزارع في كل قرية، وبناء البيوت ، الآبار ،القصبات بطرزها المعمارية المميزة ووظائفها المتعددة ، إضافة إلى جُرن الحصاد، المحاجر ، الدروب ،المساجد ،المدافن ، وساحات يلتقي فيها الناس.

هنا ياتي السؤال كيف بقيت تلك المعالم حتى اليوم رغم الأمطار الغزيرة وفيضانات الأودية ، وعوامل الزمن؟ ولماذا حافظت التربة على حيويتها؟

قد يكون السبب بعد الله السكان أنفسهم الذين تتبعوا انحدار مساقط المياه ،معرفة طبيعة الأرض ،اتجاهات الرياح، مطالع النجوم والأنواء أوقات الزراعة، الإهتمام الدائم وهو ما ينطبق على جميع القرى في بلادنا.

والزراعة منذ القدم تعتبر مصدرا للأمن الغذائي، وساهمت في تكوين منظومات بيئية متكاملة متوازنة، فمن الطبيعي التصاق الناس بالأرض ، وعملهم اليومي وهذا ما منحهم خبرات كبيرة جعل من المحاصيل و الحبوب والخضروات، وإنتاج الثروة الحيوانية قيمة إقتصادية تعود بالفائدة على حياتهم.

اليوم في هذا العهد الزاهر، نجد أن كميات لا بأس بها من الخضروات العضوية ،والحبوب المتنوعة المميزة تأتي من مزارع شمال مدينة ابها إلى سوق الثلاثاء الشعبي وسوق الخضار، والأسواق المجاورة.

وتزداد كميات الإنتاج مع هطول الأمطار الموسمية، إضافة الى الفواكه الصيفية المتنوعة.

وانعكس تنفيذ المشروعات الحديثة في تلك الجهات التي نفذتها حكومتنا الرشيدة ومنها شبكة الطرق ،الكهرباء ،المياه على توسع نشاطات السكان، وأخذت ملامح البناء والنماء تزداد هنا وهناك كبقية محافظات ومراكز المنطقة.

وقد أولى صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقةعسير إهتماماً بالقرى التراثية بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030م.

وهو ما انعكس على تصدر ها المشهد السياحي التراثي الجميل. والشيء الملفت للنظر ويبعث على السرور هو انطلاق السياحة الزراعية أو سياحة الريف من شمال مدينة أبها بعد تجارب ناجحة من خلال تهيئة بعض المزارع ، والمحافظة على طبيعة مكوناتها ، وإعادة ما تهدم ، وتوفير خدمات راقية مما جعلها بتوفيق الله واجهات سياحية تمنح الزوار أوقاتاً لا تُنسى من السعادة والتأمل في طبيعة المكان ، والطرز المعمارية والأشجار الباسقة المثمرة.

وأعطى صيف العام الماضي مؤشرات إيجابية قوية على نجاحها ،وتوافد الآف الزوار الى تلك الر بوع الخضراء، وهذا يقود إلى التحفيز وخلق أفكار جديدة في كيفية التطوير والاستثمار لمزارع أخرى كمنتج سياحي سعودي فريد في "السياحة الزراعية" وهو ما يحظى باهتمام المسؤولين في المنطقة.