طالما كان الاهتمام بالوقاية والصحة العامة على رأس أولويات الحكومة السعودية منذ البدايات الأولى لتوحيد المملكة وبناء الدولة السعودية الحديثة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، وصولًا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين حفظهما الله وما يوليانه من دعم واهتمام للقطاع الصحي عبر تطوير خدمات الرعاية الصحية وتسخير جميع الإمكانات لتعزيز جودة وكفاءة تلك الخدمات سعيًا لتحقيق المستهدفات الطموحة لرؤية المملكة 2030 التي وُضعت لتضمـن للوطـن وللأجيال القادمـة حيـاة صحيـة مزدهـرة تسـودها السـلامة والصحـة.

وترجمة لهذا الاهتمام، رأينا التطور الملحوظ الذي بات يشهده هذا القطاع على اختلاف مستوياته، نظرًا لما يمثله من أهمية في حياة وصحة وسلامة أبناء هذا الوطن المعطاء، وكذلك جميع المقيمين على أراضيه، وفي سبيل ذلك وضعت رؤية المملكة خطة استراتيجية لوزارة الصحة بهدف ضمان تطبيق برنامج تحول القطاع الصحي، وأخذت على عاتقها ومن خلال هذه الإستراتيجية أن تصل جميع خدماتها إلى كل أفراد المجتمع وفي كل قطر من أقطار مملكتنا الحبيبة، فأصبحت جميع قطاعات الصحة تشهد يومًا بعد الآخر تنفيذ العديد من المشاريع الصحية والتنموية لتواكب ما تعيشه المملكة من نمو بشري وتطويري، لتقابل ذلك الوزارة بحراك تنموي هدفه توفير الرعاية الصحية بجميع مستوياتها، وتعزيز الصحة العامة، والوقاية من الأمراض، ووضع القوانين واللوائح المنظمة للقطاع الصحي العام والخاص ومراقبة أدائه.

قبل ساعات واستمرارًا لمراحل التحول والتطور التي يشهدها القطاع الصحي، أسعدنا معالي وزير الصحة بإعلانه عن إتاحة التأمين الوطني لجميع المواطنين مدى الحياة مع تحمل الدولة تكاليف العلاج مهما بلغت، وفي رأيي وبرغم تأخر تطبيق نظام التأمين، لكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتى أبدا، وهو ما سنلمسه جميعًا على أرض الواقع منتصف العام المقبل الذي حدده وزير الصحة كموعد أقصى لبدء تطبيق هذا النظام الذي يسهم في تحقيق الجودة والكفاءة في توفير الخدمة للجميع وفق آلية تأمين تضمن استدامة تقديم الخدمة لجميع المواطنين دون استثناء.

ولا شك أن هذه الخطوة من شأنها دعم مسيرة التحول الصحي في المملكة ومواكبة رؤيتها الطموحة، حيث يضع نظام التأمين الصحي الأسس النظامية لتنفيذ استراتيجية التحول في وزارة الصحة والتي ستتم على مراحل متتابعة خلال السنوات المقبلة، بما يسهم في تعزيز صحة المجتمع والوقاية والكشف المبكر عن الأمراض والمخاطر الصحية، إضافة إلى رفع مستوى الجودة والكفاءة للخدمات المقدمة للمستفيدين في جميع مناطق المملكة وفقًا لنموذج الرعاية الصحية الحديث بمستوياتها المختلفة.

ولعل من أهم مزايا هذا النظام وفقًا لما أعلنه وزير الصحة أن التأمين سيكون ممولًا من الدولة بالكامل، كما أن التأمين ليس له تجديد سنوي، بل يستمر مدى الحياة، وهذه الخاصية من وجهة نظري تعتبر من أهم خصائص التأمين الوطني، وأيضًا عدم تحديد حد للصرف، أي أن التغطية للمواطن ستكون متاحة مهما كانت الإجراءات، كما ستكون تغطية كاملة، بالإضافة إلى أن التأمين لن يتطلب موافقات مسبقة، كما تكمن أهمية هذا النظام في حرصه على الوقاية وعلى مؤشرات الصحة الوطنية، علاوة على عمله على زيادة عمر الإنسان، كما أن طريقة الدفع الوحيدة في هذا النظام هي دفع باتجاه الصحة وليس فقط باتجاه العلاج.

الأكيد أن القطاع الصحي بعد إقرار نظام التأمين الصحي وفي ظل هذه المزايا سيكون مقبلًا على نمو كبير مدعومًا بالنمو الاقتصادي والنمو السكاني والطلب المتزايد على الخدمات الصحية واستراتيجية التحول الحكومي في القطاع الصحي، وما ارتبط بها من عمليات خصخصة ودعم وتحفيز للقطاع الخاص للاستثمار في قطاع الرعاية الصحية والارتقاء بالخدمات المقدمة بما يتواكب مع رؤية بلادنا التي وضعت معادلة الريادة العالمية للقطاع الصحي من خلال «الانتقال من التركيز على الألم إلى الاستثمار في الأمل، والاهتمام بالوقاية العلاجية، والتركيز على المستفيد وليس على السرير فقط».