كنت أتابع مراسيم العزاء في وفاة الأمير نايف بن عبدالعزيز "رحمه الله" من خلال التلفزيون السعودي وقنواته المختلفة التي كانت تبث هذا المشهد المليء بالحزن لفراق فقيد الوطن الكبير.

تساءلت وأنا أتابع الكاميرا التي كانت ترصد كل شيء داخل صالون الاستقبال الكبير، كيف تغيب هذه الصور المعبرة والمساعدة على الحديث، عن نقل الحدث بنمط مختلف، وأسلوب مختلف، ما لم يوجد مذيع مختلف؟

كنت أسأل والإجابة حاضرة في ذهني، فقد تذكرت وأنا أستمع إلى "المذيع" وهو يكرر نفس العبارة "أشاهد أمامي الشخصية الفلانية" أولئك المذيعين الكبار والعمالقة، الذين كانوا يشنفون آذان المستمعين والمشاهدين بأصواتهم الإذاعية، وثقافتهم العالية، وفكرهم المعرفي الواسع، وقدرتهم على التصرف في الأوقات الصعبة.

وليس خافياً على الناس، أن هناك صفات وسمات لا بدّ أن تتوافر في المذيع، منها على سبيل المثال، حسن الصوت، وهو هبة من الله سبحانه وتعالى، الصفة الثانية الثقافة العالية، والثالثة الحضور وسرعة البديهة.

للأسف الشديد، فإن أكثر هذه الصفات غير موجودة في مذيعي اليوم، فأهم مقومات المذيع، وهو الصوت الإذاعي ذي الرنين يندر أن نسمعه، فيما الأخطاء اللغوية لا تعدّ ولا تحصى، وكذلك ضعف الوصف لما يدور!

وهنا يأتي سؤال آخر: لماذا تصرّ الإذاعة ومعها التلفزيون على تنفيذ التقاعد لكبار المذيعين، وهل المذيع والإعلامي بشكل عام يرتبط بقاؤه بسن التقاعد، هذا لا يحدث إلاّ عندنا فقط، فقد فرط التلفزيون وإذاعة "الرياض" في أسماء لا تغيب أصواتها عن مسامعنا، وإن غابت عن المايكرفون.

أكدت الأحداث والمناسبات، وكشفت نشرات الأخبار أننا في حاجة إلى عودة كل أولئك العمالقة من المذيعين، أمثال غالب كامل، وماجد الشبل، والدكتور حسين نجار، والدكتور علي النجعي، والدكتور محمد أحمد صبيحي، وسبأ باهبري، وعبدالله حمزة، وخالد اليوسف وغيرهم، حيث ترك غيابهم فراغاً كبيراً.

وأعتقد أن عودتهم ـ إن وجدت الرغبة لدى المسؤولين في الإذاعة والتلفزيون ـ، وهذا ما أتمناه، لن تكون صعبة، حيث يمكن الاتفاق معهم بطريقة التعاقد، وهذا نظام معمول به في كل المؤسسات الإعلامية في الداخل والخارج.

وإذا ما تمّت العودة، فإن هؤلاء المذيعين، سيعيدون المشاهد والمستمع للتلفزيون السعودي، والإذاعة السعودية، حتى ولو كان حضورهم فقط في نشرات الأخبار الرئيسة، وفي الزيارات الرسمية لمسؤولي الدولة، وفي الأحداث الكبيرة.

إن بعض هؤلاء المذيعين الكبار، إن لم يكن أغلبهم لازالوا يمارسون حياتهم الطبيعية ونشاطاتهم المختلفة، ولكنهم باتوا بعيدين عن طبيعة عملهم، فقد يشيخ المذيع، ولكن صوته لا يصدأ ولا يشيخ، وهنا في جدة ـ وأنا أحد ساكنيها ـ، تتميز إذاعتها بأنها أخذت منحنى آخر، فلم تسر في ركب قناتنا التلفزيونية الأولى، ولم تقلد إذاعة الرياض، حيث تميزت بحرصها على استمرار كبار مذيعيها حتى وهم يتعدون سنّ التقاعد، حيث لا زلنا نسمع حسين نجار، وعبدالله راجح، وعلي البعداني.

لكم أن تتصوروا أن أول من قرأ نشرة الأخبار الأولى في إذاعة الكويت، وهو المذيع المخضرم أحمد سالم، وكان ذلك في مناسبة استقلال دولة الكويت عام 1961، لازال يقدم حتى الآن برامج إذاعية تحظى بمتابعة كبيرة مثل برنامجي "حدث في مثل هذا اليوم"، و"عند جهينة الخبر اليقين".

بل إن من يقرأ نشرات الأخبار في إذاعة دولة الكويت هم كبار المذيعين وأقدمهم، أمثال ماجد الشطي، وفريح العنزي، وهذا ما تفتقده إذاعة الرياض وتلفزيوننا العزيز، فهل يعود هؤلاء العمالقة؟ أعيدوهم ولو كانوا على كراسٍ متحركة!