على مدار الأيام القليلة الماضية احتلت تصريحات كل من الفَنانَين المصرييَن محمد سلام وبيومي فؤاد ساحة وسائل التواصل الاجتماعي، آخذة حجمًا ومساحًة وبعدًا يفوق حجمها الطبيعي بمراحل، حتى صارت مثل كرة الثلج التي تكبر كلما دحرجتها، وقد استغلت كثير من صفحات التواصل الاجتماعي المتطرفة وأصوات وأقلام الشر في المزايدة، وإثارة نعرات الكراهية والعصبية، من خلال تأويل التصريحات إلى «وطني وغير وطني»، بل وأبعد من ذلك.

بدأ الأمر بخروج الفنان «محمد سلام» في بث مباشر يعلن فيه قرارًا شخصيًا يخصه وحده، بعدم مشاركته في موسم الرياض، وللفنان «محمد سلام» الحرية الكاملة في اتخاذ أي قرار شخصي، ولا أحد يشكك في صدق مشاعره ونبلها، ولا يملك أحد كذلك الحكم عليه بعكس ذلك، وإن كان لنا تحفظ في قيامه بمناقشة القرارات الخاصة والشخصية به علنًا، ليس هذا فحسب، بل وتحويلها من شأن شخصي إلى شأن عام، مع إن مكانها الوحيد هو في البيت مع الأسرة، إلا لو أن الفنان «محمد سلام» يرى أنه شخصية عامة، ويتخذ قرارًا مصيريًا بحق الأمة!، فهذا الأمر يحتاج لإعادة النظر.

وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد، بل تجاوز الفنان إعلان قراره الشخصي البحت إلى حد التدخل في شأن غير مصري، وهذا غير مقبول على مستوى الحكومات، فما بالنا على مستوى الأفراد!، حيث قال إنه صبر وانتظر إلغاء مهرجان الرياض، ولكن لم يحدث ما توقع «على حد قوله»، وأردف محاولاً تعزيز وجهة نظره بأن مشاعره تأبى المشاركة في المهرجان وحرب غزة قائمة.

سرعان ما التقط المقطع الانتهازيون السياسيون من المتصيدين في الماء العكر، والمتربصين وضباع وسائل التواصل لإثارة الوقيعة بين مصر وجيرانها وأصدقائها، ومعظمهم من كيانات وكوادر جماعة الإخوان الإرهابية، والمنتمين لها والمتعاطفين معها خارج مصر وداخلها من الخلايا النائمة.. صانعين من الفنان «محمد سلام» «صلاح الدين الأيوبي»، وليسير خلفهم جحافل من المتعاطفين والمتأثرين بالأحداث المؤلمة على غزة الحبيبة.

ومما زاد من اشتعال وسائل التواصل إلى حد التراشق، قيام الفنان بيومي فؤاد بارتجال كلمة على المسرح بالرياض عقب انتهاء عرض المسرحية التي اعتذر عنها الفنان محمد سلام، وتم استبداله بالفنان محمد أنور. احتوت كلمات بيومي فؤاد على اعتذار للجمهور عن تصريحات زميله محمد سلام، دون التصريح باسمه، ويبدو أن ارتجاله كان مصحوبًا بانفعال حماسي، وبيومي فؤاد رجل بسيط ذاعت شهرته في سن متأخرة، وقد انتشر لدى المنتجين كبديل للمرحوم الفنان حسن حسني، اللذان يتحدان في أنهما لم ينالا حظهما إلا في سن متأخرة، وكان الرجل يسعى لاسترضاء جمهوره من كافة الجنسيات.

التقط المتربصون تصريحات بيومي فؤاد لتأجيج المزيد من التراشق المؤسف الذي عصف بوسائل التواصل الاجتماعي، والذين صوروا بيومي فؤاد كعدو للأمة!.

وللأسف فقد غاب عن الجميع وعلى رأسهم «محمد سلام» أن تلك الفعاليات تعمل في إطار مؤسسي من خلال الهيئة العامة للترفيه، وأنها هيئة حكومية تخضع للحوكمة والرقابة، وهي تعمل في إطار دعم وتنشيط السياحة من خلال تقديم منتج غير تقليدي يستهدف نسبة المساهمة إلى 11% من الناتج المحلي، وفقًا لرؤية المملكة 2030. وأن جمهور تلك الفعاليات "متعدد الجنسيات"، ومن داخل وخارج السعودية، وهذه الفعاليات ليست ببساطة مثل «مراجيح الموالد» التي كنا نشاهدها في أفلام الأبيض وأسود، بل هي استثمارات عابرة للقارات، وتخضع لعقود دولية، ولا يملك أحد خرق التزامات تلك الشركات أمام الجمهور والإضرار بها، ولا سيما في السعودية التي يعرف عنها أنها «دولة حقوق وقانون»، وأي خرق للالتزامات يترتب عليه تعويضات بأرقام ضخمة مما يترتب عليه خسائر مالية، ليصبح معه الأمر بلغة أهل مصر «موت وخراب ديار»، والمستشار تركي آل الشيخ هو موظف عام يعمل لصالح بلده، ومكلف بتحقيق مستهدفات رقمية، وصنع حراك ثقافي وفني وسياحي يضع بلده في المكانة التي تستحقها.

ما زاد الموقف سوءًا هو غياب أصوات العقل والحكمة، ورموز الفن والكلمة في التهدئة وقول كلمة الحق، وهذا السكوت ليس له تفسير إلا خوفًا وإرهابًا من قوة وسائل التواصل المفترسة والمحتقنة والمتأثرة باعتداءات الاحتلال على غزة، وما عزز ذلك هو ضعف الخبرة والحنكة السياسية لمحمد سلام وبيومي فؤاد، مقارنةً بفنانين آخرين لديهم من الحس السياسي والدبلوماسي ما يكفي لعدم انزلاقهم لمثل تلك الأمور، وللأسف فقد نجحت بعض الأطراف الخفية في ربط كلٍ من محمد سلام وبيومي فؤاد بتلك الأحداث، والحل لإنهاء حالة الجدل السائدة وتلك المهزلة المؤسفة هو جلوس كلا الفنانين معًا أمام الرأي العام، وإظهار حسن النية وطي صفحة الجدل، والاعتذار المتبادل عما قد أسيء فهمه.