واحدة من الظواهر المؤسفة المنتشرة هذه الأيام على مواقع التواصل، أن نجد بيننا «مثقفًا» يضع إعجابًا أو يعيد منشورًا لحسابات توجهها العام مسيء لبلادنا، لمجرد أن هذا المنشور موضع الإعجاب أو الترويج كان متعاطفًا مع أحداث غزة، فينساق هذا المثقف إلى محتوى المنشور دون فحص للحساب أو تدقيق في توجه صاحب الحساب وتاريخه!.

ومبدئيًا أؤكد على أمرين، أولهما أن التعاطف مع الأبرياء الذين يتعرضون لهذه الحرب الغاشمة هو أبسط مشاعرنا الطبيعية، وهو أثر لا يمكن لأي إنسان أن ينجو منه، أما الأمر الآخر فهو أن هؤلاء المثقفين لا نشكك في وطنيتهم وإخلاصهم لبلادهم ومجتمعهم، يشهد بذلك نتاجهم ومواقفهم.

إنما حديثتا هنا هو عن أهمية رفع مستوى الوعي السياسي لدى المثقف غير المسيس، قد يكون شاعرًا أو روائيًا أو فنانًا أو ناقدًا أو أكاديميًا، لكنه ليس سياسيًا، وليس متابعًا للسياسة، ولا قارئًا للتاريخ إلا بما يتقاطع مع فنه واهتماماته، فهو تلقائي في تعاطفه دون تمحيص لتفاصيل المشهد الذي يضع نفسه كجزء منه.

والأمر اليوم غير قابل لوجهات النظر، فبلادنا في عين العاصفة، ونحن مستهدفون من قبل الإعلام الذي أشعل الحرب، لا بل نحن هدفهم الأساس ولديهم آلاف الحسابات الإلكترونية التي تحولت لخنادق حرب علينا، وإنه لمحزن أن نرى مثقفًا من بيننا يسقط سهوًا في هذه الخنادق.

نعلم أنه على مدى التاريخ كان من أهم أدوار المثقف التجسير بين الأهداف السياسية والمجتمع. إذ أن الناس يتجهون عاطفيًا نحو ما يتم تذويبه في وجدانهم الجمعي عن طريق الشعر والرواية والفنون، فتتحول هذه المبادئ مع الوقت لقناعات عميقة تحرك الشارع وتصنع أنماطه الفكرية، ويتحول الشاعر أو الكاتب إلى مؤثر فاعل وصانع للحدث، وإلى هذا التوصيف تنتمي كل الثورات والمعارك والأحداث في العالم.

أقول هنا للمثقف السعودي.. أنت مستهدف، وبيتك وأطفالك وأمانك واقتصادك، فكن على حذر من الاستغراق في التنظير لمعركتهم ضدك.

والحقيقة أن كل صاحب قلم أو منبر أو صوت، هو حامل رسالة سياسية قصد ذلك أو لم يقصد، فالواجب هنا أن نتعاهد عينا السياسي كمثقفين ومؤثرين، وألا نسمح بأن يؤتى مجتمعنا من قبلنا.

ختامًا.. إن لمواقع التواصل طبيعة خاصة يفهمها الذين يعملون على الحروب الإلكترونية، فالمنشور «الطُعم» يجذب المستهدف ليكون هو نفسه وسيلة دعائية، باختصار هم يوظفونك لتسويق توجههم العام من خلال إعجابك بمنشور واحد الذي يتبعك إليه تدريجيًا مئات، وربما آلاف ممن يهتدون بك ويثقون برأيك، فكأنما هو خيط رفيع لا يرى ذلك الفاصل بين إعجابك بفكرة منشور واحد أو ترويجك لسياسة عدوك بأكملها.