لا توجد إحصائية واحدة قادرة على تصوير الرعب الحقيقي المتمثل في القتل المنهجي لمجموعة من البشر، ونظرًا لفداحته ووحشيته، فمن الصعب أن يتم فهم عملية الإبادة التي تحدث أمام أعين الشعوب الآن! حقًا كيف يقوم سياسيون منتخبين ديمقراطيًا بالتشويش على الإبادة الجماعية؟ لماذا يُسمح بحدوث ذلك على مرأى من الجميع؟ ولماذا لا يزال البعض ينكرونها؟ بسيطة لأن بعض الناس عنصريون أشرار، أو جهلة أغبياء، أو مضللون!

«حاصرت الدبابات الإسرائيلية، وسط دوي الانفجارات وتساقط القذائف، المستشفيات المكتظة في مدينة غزة. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل «لا تسعى لاحتلال غزة»، مما يمثل تحولا في لهجته بعد تصريحاته السابقة التي أثارت أعلامًا حمراء في إدارة بايدن.

لماذا بدأت بهذا الخبر من الواشنطن بوست؟ لسبب بسيط حتى تعيد قراءة الخبر، ربما تلاحظ أن الصورة غير مكتملة عن المجازر التي ترتكب داخل هذه المستشفيات، وعدم ذكر قتل الأطفال الخدج في الحضانات، والشباب والنساء والشيوخ والجرحى الذين لم يتم إنقاذهم بسبب انقطاع الكهرباء ونفاد كل المساعدات الطبية التي كان من الممكن أن تنقذهم! لم يذكر الخبر القتلى من النازحين الذين لجؤوا للمستشفيات وتجمعوا بأعداد كبيرة بداخلها بسبب القصف المتواصل لهذه المستشفيات ليس هذا فقط بل الكادر الطبي والتمريضي! إنها الصحيفة الأكثر شهرة وتأثيرًا في أمريكا والتي تضع تحت اسمها شعار: تموت الديموقراطية في الظلام. عن أي ديمقراطية تتحدثون حين تعتمون وتخفون الحقائق عن الناس؟! حقًا إن الديمقراطية تموت وعلى أيديكم وأيدي باقي إعلامكم المضلل، أيادي ملطخة بدماء الأبرياء لأنكم جميعًا شركاء في هذه الهمجية النكراء!

إن كلمة ديمقراطية حسب تعريفاتهم مشتقة من كلمتين في اللغة اللاتينية: «ديموس» والتي تعني الشعب، و«كراتوس» التي تعني السلطة؛ لذلك يمكن اعتبار الديمقراطية «سلطة الشعب»؛ أي طريقة للحكم تعتمد على إرادة الشعب، ولكن إن أبقينا هذا الشعب في الظلام مضللًا ماذا تصبح؟ الشعب المضلل:«ديموس دسيبيو»!

تقول كتبكم إن الشخص الذي يؤمن بالحكومة من قبل الشعب ويدعمها؛ هو شخص الذي يؤمن ويمارس مبدأ المساواة في الحقوق والفرص والمعاملة، أليس هذا ما ترددوه علينا؟ أليس هذا ما تعلمناه منكم في مدارسكم وجامعاتكم؟ الواضح مما نراه يحدث اليوم بالنسبة لأبناء شعبكم ممن يعترضون على عملية الإبادة الواضحة في غزة يشير إلى عكس ذلك تمامًا! إنه يشير إلى أن الحقوق هي فقط لمن يدعم توجهاتكم، عدا ذلك يلاحق ويطرد من عمله ويتم حرمانه من كل فرص العمل الواعدة!

يقال إن الناس تدخل إلى الحياة الديمقراطية من خلال قدرتهم على إعلان آرائهم، وهذه العملية عادة يسبقها التفكير والإصغاء إلى الآراء المختلفة لتشكيل صورة ذهنية عن أي موضوع يهم المجاميع، ومن ثم تقوده هذه العمليات إلى التمييز بين الصواب والخطأ، والخير من الشر، والمفيد من الضار، وعليه ومن خلال الإعلان أو التحدث، يمارس المواطنون الديمقراطيون حقهم في «التعبير» مثلا عن الأحكام حول من يجب أن يتولى السلطة، وكيف ينبغي استخدامها، ولأي غرض، وبالتالي، فإن الديمقراطية غالبًا ما تدور حول تمكين المواطنين من إبداء آرائهم والتحدث بحرية، ولكن لننتبه بأن الديمقراطية أيضًا تعتبر الصمت على أنه دلالة على غياب الصوت أو الرأي! واليوم نشهد العالم الغربي الذي يدعي الديمقراطية يعملون على إسكات الأصوات التي تختلف معهم أو تحمل سردية أخرى غير التي يدعمون ويروجون لها، ما يريدونه لهذه الأصوات هو أن تصمت أو تعود إلى حالة الجهل والاّ رأي!

إضافة إلى ذلك، تقوم غالبية الحكومات الغربية، في خضم الأحداث المأساوية التي تحدث في غزة، بسجن الأشخاص حتى ولو كانوا يهودًا بسبب التحدث علنًا عما يرونه من جرائم الإبادة والتهجير في فلسطين، بالرغم من أن دستور كل دولة تقريبًا يشير إلى قيمة «حرية التعبير» فإن معاداة السامية تستخدم كورقة الجوكر في كل مرة، تصور يهودي يعادي السامية ويكره نفسه! يتشدقون بحرية التعبير عندما يكون الأمر يخص الهجوم على الإسلام وحرق القرآن، ولكن عندما تقترب من نقد الكيان الصهيوني المحتل فإن هذه الحريات نفسها تتعرض لهجوم منتظم من قبل الحكومات التي تريد خنق النقد!

لقد صدعنا الإعلام الغربي بأن التغطية الصحفية الحرة حول القضايا التي تهم وتشكل حياة الفرد ما هي إلّا اللبنة الأساسية لأي مجتمع يحترم الحقوق، لكن الواقع يشير إلى أن لا هم أحرار ولا إعلامهم حر، فمن يتجرأ ويخرج عن الخط يتم التخلص منه قبل أن يحرك سيارته من مرآب المؤسسة الإعلامية!

سأترككم مع مقطع عن المقاومة اليهودية وما قيل عنها من قبلهم:

«كانت انتفاضة الحي اليهودي في وارسو في ربيع عام 1943 أكبر ثورة قام بها اليهود. حارب مئات اليهود الألمان ومساعديهم في شوارع الحي اليهودي. رفض آلاف اليهود الانصياع للأوامر الألمانية بالذهاب إلى نقطة التجمع للترحيل.

وفي النهاية قام النازيون بإحراق الحي اليهودي وتسويته بالأرض لإجبار اليهود على الخروج. وبالرغم من أنهم كانوا يعلمون أن الهزيمة مؤكدة، فإن اليهود في الحي اليهودي قاتلوا بشدة وببسالة».

والآن تخيلوا لو أن نفس الخبر نشر اليوم عن الفلسطينيين على أي بقعة من الأراضي المحتلة؛ كيف برأيكم سيتم صياغة الخبر؟! لا أحتاج إجابة، على ما أظن أنها واضحة للجميع، فما عليكم سوى أن تقرؤوا تصريحات المسؤولين لديهم على صفحات إعلامهم أو تشاهدوا برامجهم الإخبارية، أو حوارات مشاهير الإعلاميين لديهم لتعلموا أن الديمقراطية عندهم ماتت في الظلام!