لا تزال الأدوات «الإخوانجية» من فنادقها الفخمة في إسطنبول وغيرها، مستمرة بالعمل على توظيف أحداث «غزة» وربطها بالإسلام، عبر مسارين: الأول: تضليل العربي والمسلم بأن حربهم مقدسة ودينية وشرعية، وليست حرب مصالح تخدم فيه أجندات معينة، ومحاور معينة. والثاني: ضرب عملية فك الارتباط بين الإرهاب والإسلام، لمزيد من الفوضى ولخبطة الأوراق، والحقيقة في كل ذلك، التي يجب ألا تغيب عنا، أن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية لن تقف حتى تقوم دولة الخلافة الإخوانية من المحيط إلى المحيط، قبل أن تدخل في حرب كونية مع الآخر المختلف دينيًا، تمهيدًا للملحمة الكبرى، قبل الوصول إلى «أستاذية العالم»، ومهما بدا ذلك الهدف ساذجًا، أو يستحيل تحقيقه، فإن للجماعة الإرهابية رأيًا مختلفًا، حيث تعتمد على الخطوات متناهية الصغر، في مدد زمنية طويلة، ولو كان بربع خطوة كل عشر سنوات؛ لتحقيق الهدف.

ومن آخر تقليعات الجماعة الإرهابية، «بيان نداء الأقصى وغزة»، الصادر عن «هيئة علماء فلسطين في الخارج»، والتي غيرت اسمها إلى «هيئة علماء فلسطين»؛ للإيحاء بوجودها في داخل الأراضي المحتلة.

وهذه الهيئة التي مقرها إسطنبول، تأسست عام 2009، على يد عبدالغني بن أحمد التميمي، وآخرون، وتضم في عضويتها ما يقارب 300 شخص، وهي عبارة عن فرع غير معلن من «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين»، الذي أسسه يوسف القرضاوي في 2004.


ويرأس «الهيئة» للدورة الحالية، نواف هايل التكروري، ونائبه عبدالجبار أحمد سعيد، ويضم المكتب التنفيذي للهيئة ضمن مسؤوليه، فاطمة عبدالله عزام، عضو مجلس أمناء «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين»، التي كانت أستاذًا مساعدًا في جامعة القصيم لثماني سنوات، وعضوا سابقا في الجمعية السعودية للفكر المعاصر، وجميع أعضاء المكتب التنفيذي للهيئة، هم أعضاء في اتحاد القرضاوي.

صدر بيان «الهيئة» المشار إليه، في 13 نوفمبر 2023، الذي تقوم فحواه، وكل معانيه على تأجيج المشاعر، وإلهاب القلوب، والتخوين غير المباشر، في مثل هذا الظرف الدقيق، لترسيخ وشرعنة الإرهاب في النفوس، وإعلاء دول وأشخاص على حساب دول أخرى، أمام الشارع العربي والمسلم، ومن أهم ما جاء في البيان:

‏ أولًا: تأييد المقاومة وموالاتها، وحينما نرى الدعاية الحمساوية/الإخوانية، ومن خلفها الدعاية الإيرانية، التي تخلت عن القضية من اليوم الأول، وقالت بصراحة إن على «الفلسطينيين» مواجهة الأمر وحدهم، نرى أن ثمة تعريضا من قيادات ما يسمى المقاومة، وتصريح من الأتباع، أن من يقوم الآن بأمر القضية، ومحاولة معالجة الوضع القائم، هم موالون للكيان الإسرائيلي المحتل، ولذلك يصر البيان ويؤكد على أن المقاومة -أي حماس والجهاد وحزب الله: «هي منا ‏ونحن منهم، نوالي من والاهم ونعادي من عاداهم، وأن كل من والى اليهود والنصارى ‏وظاهرهم على الفلسطينيين والمسلمين؛ فهو منهم».

ثانيًا: أن صد العدوان على غزة، متعين شرعًا على كل قادر من المسلمين، إلى حين إنهاء هذا ‏العدوان إلى غير رجعة، بمعنى أن الجهاد فرض عين على كل القادرين من المسلمين في العالم، في سبيل تحقيق مراد الجماعة الإخوانية، وهذا الجهاد لا يراد أن يكون بالسلاح، بل يكفي فيه المال، وربما هو المطلوب في هذه المرحلة، لإنماء استثمار الجماعة.

ثالثًا: يقول البيان: العدوان على غزة وفلسطين يستوجب عل كل من هم بالداخل الفلسطيني دفع العدو وقتاله، وإنهم ‏إذا عجزوا عن رده وصده؛ فإنه يتعين الجهاد بحسب المستطاع على دول الطوق التي تلي ‏فلسطين، ومن تولى عن القتال في داخل فلسطين وعن الجهاد في دول الطوق، وتركه فارًا من ‏واجبه المتعلق به، فهو في حكم الفار من الزحف.

رابعًا: ركز البيان على أنه يتعين شرعًا على دول الطوق أن تفتح عاجلًا المعابر للإغاثة اللازمة وتطويق الكارثة الإنسانية ‏الضخمة والحيلولة دون الإبادة الجماعية لشعب غزة كلها، وأنه لا يجوز بأي وجه أو شكل أو ‏سبب غلق المعابر وبخاصة معبر رفح الذي يعد شريان الحياة الضرورية، وأن الاستمرار في ‏الغلق خيانة لله ورسوله، وفي هذا إشارة إلى أن دول الطوق العربية تخون غزة، كأن مصر والأردن هي من أغلقت المعابر.

خامسًا: عد البيان أن مقاطعة العدو مقاطعة شاملة سياسيًا وسياحيًا وأكاديميًا ورياضيًا ‏واقتصاديًا، وكذلك مقاطعة كل الشركات والمصانع ومن يدعمه من الحكومات والهيئات ‏والشخصيات، هي من قبيل النفير العام والجهاد الاقتصادي والرياضي ‏والأكاديمي، واعتبار التعامل مع العدو ومن يتعاونون معه ويدعمونه حرامًا مغلظًا.

سادسًا: كل اتفاقيات «السلام والتطبيع» التي عقدت مع الكيان المحتل الحربي قبل هذا العدوان باطلة شرعاً ولا اعتبار لها، وهي في حكم العدم.

سابعًا: الدعوة للنفير العام، والتهديد والتلميح بإمكانية توسيع‏ رقعة المعركة في المنطقة والعالم.

أما الموقعون على البيان، فهم صنفان، الأول: هيئات وروابط ومؤسسات، كلها إخوانية، وكلها هاجمت بيان هيئة كبار العلماء‏ في السعودية في نوفمبر 2020، والقاضي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام.

أما الصنف الثاني: فهم «السادة العلماء» -زعموا- وهم خلق تجاوزوا (183) فردًا، كلهم ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بطريقة أو بأخرى، والطريف أن الرقم (67) من تعداد الموقعين، حمل توقيعًا مبهمًا، باسم: (أ. أم عدنان‏)، فحق لي أن أسميه «بيان أم عدنان»، الذي فضح خبث الإخوان للتربح المادي والمعنوي، عبر جراح غزة وأهلها.