هذا هو المقال الثاني والعشرون من سلسلة مقالات "آلية عمل الصحوة اليوم"، وسيكون الحديث فيه حول البدء الفعلي للمعارضة السياسية في التاريخ الصحوي، في تاريخها القديم، الممهد لحاضرها اليوم.

وذلك التاريخ القديم انطلق من خلال مجموعة من الخطابات والأشرطة، شكلت تلك الحقبة بخطاب صحوي، تطور لاحقًا، كما سنرى في المقال القادم.

وفي التالي سرد سريع ومجمل، بأهم أحداث هذه المعارضة:

في أغسطس 1990: كان ثمة اجتماع بين مجموعة من الصحويين، ومجموعة من المثقفين ممن يصفهم الصحويون بالحداثيين أو العلمانيين، وفيه قام حمد الصليفيح بطرح فكرة التعاون في الاحتساب على المنكرات بما فيها المنكرات السياسية، الأمر الذي رفضه المثقفون، وانفض الاجتماع، لتبدأ بعده مرحلة العرائض والمكاتبات.

وفي أغسطس 1990 كذلك: يقرر سفر الحوالي أن مساندة القوات الصديقة للخليج في رد عدوان صدام، إنما هو احتلال مُقَنَّع لبلاد الحرمين، وذلك في جلسة (الأسئلة والأجوبة) على شرحه للعقيدة الطحاوية، والتي عنونت لاحقًا بمطلع الآية الكريمة: (فستذكرون ما أقول لكم)، قبل توزيعها بشكل كبير عبر أشرطة الكاسيت، والتي أعقبها بنشر رسالة حملت عنوان: (كشف الغمة عن علماء الأمة)، والمعروفة "بوعد كيسنجر"، كتبها لهيئة كبار العلماء في السعودية، كرد بعد أن أيدت قرار الدولة بتدخل القوات الصديقة، لردع صدام، ثم ألقى بعدها بمدة بسيطة محاضرة صاخبة في الرياض بعنوان: (ففروا إلى الله)، والتي تصب في ذات المعنى، ثم قفز اسم سلمان العودة إلى واجهة الأحداث في ذات الشهر، بمحاضرة ألقاها في بريدة، وكان عنوانها: (أسباب سقوط الدول)، تلمح من بعيد على أن الاستعانة بالأجنبي مؤذن بسقوط الدولة.

وفي أكتوبر 1990: قام عدد من الشباب الصحوي، بقيادة عبد المحسن العبيكان وعبد الله بن جبرين وعبد الرحمن البراك وسعيد بن زعير، بجولات ميدانية للإنكار على ما يرونها مخالفات شرعية، وحدث أن اجتمعوا اجتماعًا حاشدًا في أحد جوامع الرياض، واتفقوا على العمل الجماعي المنظم في مسألة الإنكار، وتطور الأمر إلى توزيع استمارات تسجيل لما سموه "جماعة خيرية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

وفي ديسمبر 1990: صدر خطاب العريضة المدينة، والتي يطلق عليها الصحويون العريضة العلمانية، ووقع عليها 43 شخصًا، ولم ترفع للمسؤول، ولكن تم تسريبها إلى صحيفة الأهالي المصرية، والتي نشرتها في ذات الشهر.

وفي يناير 1991: صدر الخطاب الصحوي الأول، ووقع عليه 200 شخص، حيث قام عبد الله بن حمود التويجري، بإعداد رسالة على هيئة نصيحة شخصية، مقدمة للملك فهد حينها، واستطاع التويجري إقناع ما يربو على 200 من المشايخ والدعاة والأكاديميين بالتوقيع عليها وسلمها للحكومة، وكانت المطالب في الخطاب عبارة عن إصلاحات في الجيش والاقتصاد، والتعليم، والصحة، والخدمات.

وفي إبريل 1991: نشرت "مجلة الجزيرة العربية: التي كانت تصدر في لندن نص خطاب موجه للملك، يحمل توقيع 40 شخصًا من المثقفين والكتاب وعدد من الشخصيات الرسمية السابقة.

وفي مايو 1991: صدر الخطاب الصحوي الثاني، والمعروف بخطاب شوال، أو خطاب المطالب، أو وثيقة شوال، ووقعه 400 شخص، وهو خطاب موَّقع من شريحة واسعة من الصحويين وغيرهم، وبعد إعداد الخطاب واستكمال التوقيعات، زكى الشيخ ابن باز الخطاب، وشجع ذلك الشيخ ابن عثيمين على كتابة خطاب تأييدًا لما قاله الشيخ ابن باز عن الخطاب، وليس تأييدًا مباشرًا للخطاب، وسلم الخطاب للديوان الملكي في جدة، عن طريق وفد مكون من: عبد المحسن العبيكان وعبد الله بن حمود التويجري وعبد الله بن جبرين وسعيد بن زعير.

وفي أغسطس 1991: تم إنتاج ونشر الشريط الأول من "المدفع العملاق"، فنسخت منه عشرون نسخة تقريبًا، أرسلت كل واحدة منها إلى منطقة من المناطق ومن هناك انتشر الشريط انتشاراً واسعاً وبسرعة كبيرة.

وفي نوفمبر 1991: نشر الشريط الثاني، ووزع بنفس الطريقة.

وفي يناير 1992: قام مجموعة من الصحويين على رأسهم ناصر العمر بتقديم رسالة للشيخ ابن باز ينصحونه فيها بعدم القول بجواز الصلح مع إسرائيل، وتم تسريب نسخة من الرسالة، كما سجلت المناقشة معه على شريط انتشر بين الناس، حيث كان حديث الناس في تلك الأيام مؤتمر مدريد للسلام.

وفي يناير 1992، كذلك: حدث في جامع سكن جامعة الملك سعود بالرياض، أن منع خطيب خطب خطبة متجاوزة في جمعة ماضية، فقام ما سمي حينها "بمهرجان الجامعة"، وهي كلمات عدة ألقاها صحويو الجامعة، وتم تسجيل أحداث الجمعتين على شريط كاسيت، حيث دمجت الخطبة المتجاوزة، والكلمات التي ألقيت بعد الجمعة التالية في شريط واحد، ووزعت وانتشرت انتشارًا كثيفًا، وسمي بعد ذلك بعدة أسماء منها: شريط مهرجان الجامعة، وشريط حكم المباحث.

وعلى إثر ذلك المهرجان تم تشكيل لجنة لمتابعة الأمر، أسمت نفسها، لجنة الجامعة للإصلاح والمناصحة (لجام)، والتي كان على رأسها محسن العواجي، وخالد الحميضي، وسعد الفقيه، ومحمد الحضيف، وحاولت اللجنة لقاء بعض المسؤولين الكبار، ولم تفلح، فلجأت لمقابلة الشيخ ابن باز، وبعد اللقاء اجتمعت اللجنة وقررت توسيع مهمتها من مجرد المطالبة بعودة الخطيب إلى منبره، إلى مجموعة مطالب شاملة لما يزعمون أنه إصلاح، وبعد العرض على ابن باز تم الاتفاق على كتابة هذه المطالب.

وفي يوليو 1992: أصدرت (لجام)، مذكرة النصيحة، والتي وقع عليها 100 شخص، حيث أعدت مسوّدتها، وعرضت على عدد محدود لمراجعتها، وهم: سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعبد الله الجلالي، وعبد الله بن جبرين، الذين أيَّدوا ما فيها، غير أنه حدث خلاف حولها، وتم تجاوز هذا الخلاف بطريقة معينة، وطبعت المذكرة، وكتب على غلافها: (مذكرة النصيحة)، وحملها وفد مكَّون من ثلاثة أشخاص إلى الطائف حيث مقر الشيخ ابن باز وقتها، وسلمت له، لمراجعتها، ثم تسليمها للملك.

وفي مايو 1993: تشكلت لجنة الدفاع عن حقوق الشرعية في الجزيرة العربية، داخل السعودية، بعد لقاء أول في منزل حمد الصليفيح، ثم لقاء ثانٍ في منزل عبد الله الحامد.

وفي إبريل 1994: انتقلت اللجنة إلى لندن بقيادة سعد الفقيه ومحمد المسعري، وبدأت نتيجة لذلك مرحلة جديدة في الصحوة والتي كانت اللجنة أحد إفرازاتها.

وفي سبتمبر 1994: سجل سلمان العودة "شريط كاسيت" في قبو منزل ناصر العمر في مدينة الرياض، حينما نما إلى علم العمر أن قرارًا صدر بحق العودة والحوالي يقضي بإيقافهما، فاجتمع في بيت العمر مجموعة من الحركيين ذلك اليوم، وكان رأيهم أن يسجل العودة شريطًا صوتيًا يتكلم فيه عن الوضع والمستجدات بعد خبر الإيقاف، واختار العودة والمجتمعون عنوانًا لذلك التسجيل: (رسالة من وراء القضبان)، وقد ظهر الشريط لأول مرة بعد شهرين من هذا التاريخ، وتحدث العودة في هذا التسجيل عما أسماه حملة الاعتقالات للدعاة، وأطلق جملته الشهيرة (اسجنونا ولكن أصلحوا الأوضاع).

وفي سبتمبر 1994، كذلك: عقد ما سمي "بمؤتمر نصرة الدعاة" في بريدة.

وفي سبتمبر 1994، كذلك: جرت مسيرة في بريدة، من بيت سلمان العودة، إلى مقر إمارة المنطقة، استنادًا على خلفية القبض على سلمان العودة، بعد أيام من إثارة البلبلة في بريدة.

وفي سبتمبر 1994: تم إيقاف مجموعة من الصحويين، على خلفية تجاوزاتهم في إثارة المجتمع، والسلم الاجتماعي، والتأليب ضد الدولة.