عندما نتحدث عن غزة أو فلسطين بشكل عام، فإننا ننطلق من ثقة بعدالة وعقلانية القضية الفلسطينية، ومن وعي بالتاريخ وإدراك للحقائق على أرض الواقع، ومن إدراك أيضًا لحقيقة الفكر العدواني كمكون بنيوي في العقلية الإسرائيلية والذي تولد من موكب النقص الذي تعرض له اليهود تاريخيًا على أيدي النازيين والذي أفرز هذه الوحشية المهينة والتعذيب الممنهج ضد الفلسطينيين على مسمع ومرأى من العالم المتمدن.

هذا العالم الحديث الذي سمح للصرب بقصف سكان سراييفو والتي قال حينها الرئيس الأمريكي نيكسون عندما شاهد قصف الصرب أحد الأسواق الرئيسية في سراييفو [ إنها حقيقة مرة، ولكن لا يمكن إنكارها، أنه لو كان سكان سراييفو يهودًا أو مسيحيين، لما سمح العالم المتمدن، قصف الصرب سوقًا مكتظًا بالناس].

ولكن هذا العالم المتمدن هو الذي أعطى الضوء الأخضر للإسرائيليين بقصف غزة.


واليوم تمارس إسرائيل العنصرية - وبمشهد من العالم- التدمير والقتل بطريقة عدمية ومجانية وباردة وبأبشع عمل وحشي يتصوره الإنسان بقصد إثارة الرعب العام وقهر وإبادة شعب كامل.

تاريخ طويل من العنف والبطش والإرهاب مارسته وتمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهذا يضعنا أمام حقيقة أن العنف والتهميش والإقصاء طابع علاقة إسرائيل بالفلسطينيين على مدى سنوات طويلة، ولكنه عنف موجه من قبل الإسرائيليين ضد الفلسطينيين وذلك لغرض فرض سياسة القهر العنصري، فقد عامل الإسرائيليون الفلسطينيين كما لو لم يكونوا بشراً وارتكبوا أكبر الفظاعات الوحشية.

ورغم أن العالم يعترف قانونيًا بإلغاء التمييز العنصري، فإن إسرائيل، تطبق وتمارس أساليب التمييز العنصري ضد الفلسطينيين.

يقول العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين [لقد وعد العالم بالحرية والعدل، ولكننا لا نزال نرى قوى الحرية تصب النار وتقصف بالقنابل شعوبا، لا لشيء إلا أنها تطالب بالحرية والعدل].

فحرب غزة اليوم كافية لوحدها لنسف كل الشعارات البراقة التى يتظاهر بها الغرب حول حقوق الإنسان.

فما من منطقة تعرض فيها الغرب في العصر الحديث لامتحان قاس مثل الذي يحدث في غزة اليوم والتي وصمها بعض الإستراتيجيين بالفشل الثقافي - الحضاري لدول الغرب الصناعي فقد أصبحت فيه الخيارات الأخلاقية غير خاضعة للمقاييس، وهذا ما حدابعض الباحثين الاجتماعيين، باعتبارها زلزلة في الضمير.

لا ريب بأن الغرب بشقيه الأوروبي والأطلسي لديه مواثيق وتقاليد عريقه وعميقة بمفهوم التضحيات، والغيرية والحس الجمعي تجاه الدفاع عن حلفائه وقد رأينا صورة ذلك في أوكرانيا، وتايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان، ونراه اليوم في إسرائيل، وقد دخل عالمنا العربي والإسلامي العصر الحديث وهو يفتقر إلى هذه المفاهيم والتي تعتبر ضمانة حقيقية وقوية فالواجب أن يكون عالمنا العربي والإسلامي صلبًا في مثل هذه المواقف لا في انتظار ما تؤول إليه الأمور، فالنظام الأخلاقي يدور على فكرة التضحية والإلزام، فإذا لم يكن هنالك إلزام، فلن تكون هنالك مسؤولية، وإذا عدمت المسؤولية عدمت العدالة، ولن يكون هنالك مبدأ أخلاقي وإنساني، فالعالم يحتاج الآن إلى قاعدة صالحة للتطبيق الأخلاقي الإنساني والتي قد تكون مسجلة بصورة ما في ضميره. وإن كان لدينا تجربة حية وعملية تجسد علاقتنا الصحيحة والوثيقة بالقضية الفلسطينية، وقاسم مشترك ديني وفكري وأخلاقي وعاطفي ووطني وإنساني مع القضية الفلسطينية، وولاء تاريخي وثيق يحكم علاقتنا بالقضية، منذ الملك المؤسس عبد العزيز والى اليوم ومن بين تلك المواقف القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، والتي استطاعت أن تعبئ الأمة العربية والإسلامية في الوقوف معًا مع القضية الفلسطينية.

فبالرغم من عجز الثقافة الغربية وإخفاقها في تمثل قيم الحق والعدل فهل يرضى هذا العالم فعلًا أن يهجر شعب كامل من وطنه وأرضه في سبيل شعب آخر قادم من الشتات؟.

وهل يكون عدلًا هذا البطش الرهيب والبالغ القسوة الذي يحدث في غزة أمام أنظار العالم والذي هو غير متوافق مع الفكرة الأساسية للعدالة والذي يجعل من الغرب حكمًا وخصمًا في آن واحد؟

فأي نتيجة نستخلصها من هذا العدوان الرهيب الذي يقع على غزة في كل لحظة غير موت الروح، وقساوة القلب، وفقدان العقل، وغياب الضمير.

فإسرائيل بحكم تزمتها العنصري القاطع وجرائمها التي ترتكبها في غزة تتاجر بدماء الأبرياء وترتكب فظاعات وحشية وتمارس أساليب القهر والتطهير العنصري.

عناصر متجبرة في حياة الفلسطينيين، القهر، والرفض، والموت، كفيلة بأن تصنع إنسانا وتخلق وطنًا.