في غمرة الأسئلة المشروعة عن صواب، وفعالية وتأثير الخطوات التي تسلكها جماعة الإخوان، يطل صنف من المدافعين عن جميع خطواتها، كأنها الصواب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أبدًا، كأنَّ الخطأ البشري مرفوع عنهم، مغرقين الساحة بعشرات القصص عما يدّعيه هؤلاء من الزعم بأنها من الكرامات، وخرق العادات، كتدمير دبابة برصاص سلاح خفيف، وكان حذيفة بن عبدالله عزام قد جعل النسج على هذا المنوال شغله الشاغل.

تلعب هذه القصص دورًا يتجاوز إطار حبكتها، ليمنع التفكير النقدي من أي مساءلة على الخطوات التي تتبعها هذه الجماعات، هل هي مجدية أم لا؟ إذ يتم تجاوز هذا السؤال والتحايل عليه بالقول: إنَّ هؤلاء يجري الله على أيديهم كرامات، فالله هو من يدبّر خياراتهم ويدير معاركهم، بهذه الصورة الأقرب إلى الجبرية يحاولون أن يمنعوا أدنى سؤال عن تلك الادعاءات، سواء عن مصدر القصص المذكورة التي تحال إلى مجهولين من باب «حدثه أحد الثقات» عنده، وعند علماء الجرح والتعديل فإنَّ مثل هذا السند لا يصح، إذ إنَّ فيه مجهولًا، وثقة الراوي به، لا تجعله ثقة عند الجميع، فقد يكون مجروحًا عند غيره ولذا لم يسمّه ولم يعيّنه.

فضلًا عن أمر آخر، وهو قدرات الحاكي العلمية والمعرفية، وحالته النفسية، فقد يكون المتحدّث جاهلًا يحيل كل شيء إلى هذه السردية، دون أي تفكير علمي فيما يحكيه، وقديمًا فرّق جمع من الأصوليين في مبحث التواتر بين الرأي، وبين الحس، فقالوا إنَّ الحجة من الأخبار المتواترة ما كان مرجعه إلى الحس كأن يشهدوا بأنهم شاهدوا واقعة معينة، لكنَّ هؤلاء الأصوليون لم يقبلوا من هؤلاء تفسير ما قالوه، بأن يدّعوا بأنه كرامة فهذا مبحث نابع لرأيهم واعتقادهم هم، لا ما عاينوه.

تعرّض ابن تيمية لمبحث الكرامات مرارًا، وكان يؤكد على أمر غاية في الأهمية، فقال في (جامع المسائل): «خوارق العادات التي تسميها العامة كرامةً ليست عند أهل التحقيق كرامةً مطلقة، بل في الحقيقة الكرامةُ هي لزوم الاستقامة»، فالكرامة الحقيقية هي امتثال أمر الله، لا ادعاء خوارق العادات، التي صارت في زمن ابن تيمية الشغل الشاغل لكثير من الفرق المبطلة، قال: «الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه».

تلك الكرامات المزعومة جاءت لتغطي على أي مناقشة في قرار الحرب، ولا يظهر أنَّ تلك الكرامات تعمل جيّدًا في صد التوغل الإسرائيلي الذي أظهرته مواقع بعيدة عن الدعاية، بأنه بات يتقدّم إلى مناطق عديدة في شمال قطاع غزة، في ظرف أسبوعين من التوغل، ولم تعمل جيّدًا في وقف نزيف آلاف الضحايا الأبرياء، والمهجرين من مناطقهم، ولا يظهر أنَّ حماس نفسها اعتمدت عليها وهي تقدم على التراجع عما قالته من قبل بأنها لن تدخل في مفاوضات على الرهائن إلا بعد وقف إطلاق النار، ثم دخلت في هذه المفاوضات، ووقعت على اتفاق تبادل أوليّ، لهدنة من أربعة أيام قابلة للتمديد.

تلك الكرامات المزعومة لا يمكنها بحال أن تغطي على الأخطاء السياسية المتكررة من الحركة، والتي تظهر عدم قدرتها على وقف الحرب التي أطلقت شرارتها، فصار المتحدّث العسكري باسم الحركة يخاطب الجماهير في الأردن لتصعيد العمل الشعبي والمقاوم، كأنه يخاطب منطقة خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، لا دولة مستقلة لها ملكها وحكومتها، وجيشها، أو كأنه هو نفسه عضو في المكتب السياسي، فالمتحدّثون العسكريون في العالم لا يتحدّثون إلا في الشأن العسكري، إلا هذا فيوجه شكره إلى الحوثيين، متغافلًا عما في كلامه من تشريع لإرهاب هؤلاء الذي دفع ثمنه يمنيون، ومرة يدعو شعوبًا عربية إلى ما يهواه، كأنه لا يوجد لهذه الشعوب دول تمثلها، كأنه يظن بأنه قد صار واليًا عليهم.

الناس تغيرت، وتطوّر وعيها، ولم تعد تنطلي عليهم الادعاءات دون براهين عليها، ولم تعد تحتاج إلى سماع قصة تدّعي بأنَّ دبابة احترقت بحفنة تراب كما كان عزّام يدعي عن الحرب في أفغانستان، بل الناس اليوم تحتاج إلى وقف الدم النازف، إلى حقن دماء المسلمين، وإلى عدم زجّهم في مغامرات، يتنصل أصحابها من مسؤوليتهم فيها بادعاء أنَّ خوارق العادات تجري على أيديهم!