هذا هو المقال الثالث والعشرون من سلسلة مقالات «آلية عمل الصحوة اليوم»، وسيكون الحديث فيه حول مرحلة مهمة من مراحل التموضع «الليبرالي» في الصحوة، والمتمثل في تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية «حسم».

و«حسم» تجمع ليبرالي/ صحوي، تأسس في أكتوبر 2009، ويهدف -بزعم مؤسسيها- إلى تمثيل الحقوق السياسية والمدنية في المملكة العربية السعودية، ويتولى رئاستها أحد أعضائها بالانتخاب السنوي، وتعتمد في ميزانيتها على اشتراكات أعضائها.

وجاءت «حسم» انطلاقًا مما يسميه مؤسسوها الجهود الإصلاحية التي بدأت في «أزمة الخليج 1990»: (بمذكرة المطالب، 1991)، ثم (مذكرة النصيحة، 1992)، ثم (لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية في الجزيرة العربية، 1993)، ثم لاحقًا (خطاب رؤية لحاضر الوطن ومستقبله، 2003)، والأخير عريضة وقّعها 104 من الأشخاص، وهي أولى العرائض، بعد مذكرة النصيحة، ووجهت إلى ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، في يناير 2003، وطالبت هذه العريضة بالملكية الدستورية، والانتخاب المباشر لأعضاء مجلس الشورى، ودعت إلى مؤتمر حوار وطني، وهو ما تم في ذات العام، والذي فتح كوة لم تغلق حتى اليوم، في مسألة التقارب بين الفرقاء الذين كان من المستحيل تلاقيهم، عبر مؤتمره الثاني (الغلو والاعتدال: رؤية منهجية شاملة، ديسمبر 2003)، في مكة المكرمة.

وفكرة إعداد خطاب (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله)، بدأت أثناء لقاء في مملكة البحرين، جرى فيه نقاش بين عدد من الأطياف الفكرية منها إسلامية ومنها ليبرالية، سنية وشيعية، واتفقوا بينهم على أسس الخطاب، ويذكر محمد سعيد طيب، في كتابه «السجين 32»، أن توفيق السيف هو من وضع الخطوط العريضة للخطاب أو البيان، ولكنه لم يوقّعه؛ لئلا يحجم بعض الإسلاميين من السنة عن التوقيع، ويذكر علي الدميني في (زمن للسجن، أزمنة للحرية)، أن من أطلقوا على أنفسهم «الإصلاحيون»، توجهوا في عام 2003، إلى تحويل بياناتهم إلى عمل منظّم واسع النطاق عبر لجانٍ في كل منطقة من مناطق المملكة.

وسأعود بكم إلى الاجتماع الذي تم في أغسطس 1990، بين مجموعة من الصحويين، ومجموعة من المثقفين، وهو ما أشرنا له سابقًا، والذي قام فيه حمد الصليفيح بطرح فكرة التعاون في الاحتساب على المنكرات السياسية، الأمر الذي رفضه المثقفون، وانفض الاجتماع، لتبدأ بعده مرحلة العرائض والمكاتبات، وهذه كانت الشرارة الأولى «لـحسم»، أما الشرارة الثانية فهي حراك الصحوة السياسي في التسعينيات، ثم لاحقًا مؤتمر الحوار الوطني في يونيو 2003، وما أعقبه من تعاون بين الفرقاء، وصولًا لتأسيس «حسم».

على كلٍ، قدمت «حسم» نشاطًا خطابيًا، وقدمت بعض الأعمال منها مثلًا: دعوتها للملك في ديسمبر 2009، عبر خطاب مفتوح إلى تشكيل برلمان منتخب ذي صلاحيات لمساءلة المسؤولين، كما قدمت في ديسمبر 2010، طلبًا لوزارة الداخلية في السماح لها بالاعتصام في مدينة الرياض، كما انتقدت في يونيو 2011، مسودة قانون مكافحة الإرهاب؛ لكونه قمعًا للشعب، ونظرًا لكثرة تجاوزاتها أحالتها الجهات المختصة إلى القضاء، الذي أصدر بحقها قراره في مارس 2013، بإغلاق الجمعية، ومصادرة أملاكها، وحظر نشاطها.

و«حسم» أحد تداعيات «نحو فضاء جديد للدعوة»، ويزعمون أنهم ينطلقون من خلال تيارات لا وجود لها، ولا يحتاجها المجتمع السعودي، وإنما هي تيارات صنعوها بينهم وبين أنفسهم، وهي ما أطلقوا عليها تيار دعاة حقوق الإنسان، والتيار الدستوري، وتيار المجتمع المدني.

كانت «حسم» الجمعية المحورة عن لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، قد تعاطت مع أكثر محرمين جرمهما الصحويون، وهما: التعاطي مع مفردات الديمقراطية أولًا، والتعاون مع المختلفين من المكفرين والمبدعين والمفسقين في مرحلة سابقة ثانيًا.

ويمكن تلخيص فلسفة «حسم»، من خلال موادهم المنشورة، بأنهم يضعون أنفسهم ككيان مقابل الدولة، ويقللون من شأن هيئة كبار العلماء، بل ويصفونها بالخيانة، وأن خطابها خطاب ديني محرف؛ لتبرير العنف والطغيان، ويرون أن أسباب الإرهاب، هو التفرد بالسلطة دون تفويض من الشعب، وكأن البيعة لا قيمة لها، ويرون أن سبب تفجيرات الرياض والخبر في التسعينيات هو قمع الصحويين، وقمع العمل الإصلاحي المتمثل في لجنة الدفاع، ومذكرة النصيحة وغيرها، وهو المعنى ذاته الذي كتبه «سليمان النهدي» في (لماذا خافوا من اللجنة الشرعية؟!، طبعة أولى 1993) وذكر أن اعتقال الصحويين -في ذلك الوقت- سيكون إيذانًا ببداية العمليات الجهادية في الداخل، والتي كان يقف أمامها سدًا منيعًا الدعاة والمصلحون - زعموا.

و«حسم» تروج لعملها على أنه من باب التعاون على البر والتقوى، وأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الوقت نفسه يطلقون على أنفسهم مناضلين، ويذكرون أن وسيلتهم لتحقيق مرادهم، هو تراكم النضال في هذه المسائل، لخلق حالة وعي لدى الشعب، ليطالب بكامله بالحقوق والحريات والمشاركة السياسية.

وسأضرب بمثالين من فظائع أقوالهم، ففي جلسة بعنوان: (الربيع العربي والمستقبل السياسي للجزيرة العربية)، نشرت في نوفمبر 2011، يقول محمد القحطاني: «إن القول بتحصين الملكيات العربية من الربيع العربي قول ساقط؛ لأسباب: أنه لا فرق بين الجمهوريات العربية، والملكيات فيما عدا التسميات فقط، وإلا كلها أنظمة استبدادية قائمة على الظلم والطغيان، وأن رحى الربيع العربي سيقضي على جميع أنظمة الاستبداد، وسيصل إلى زمان تكون فيه أنظمة الطغيان نشازًا ومعدومةً، وذلك في سنة 2020، أو بعد ذلك بعدة سنوات».

وفي جلسة أخرى بعنوان: (دول الجزيرة العربية والخليج الوراثية، من الضغط إلى الانفجار)، نشرت في يناير 2013، يقول عبدالله الحامد: «دولة القمع الوراثية في الجزيرة العربية والخليج، ظاهرة فريدة في العصر الحديث ليس لها شبيه على مر التاريخ الإنساني، ولا يمكن أن تستمر في العصر الحديث، لقد ماتت دماغيًا، وإنما مصيرها الانهيار والانفجار الوشيك، حتى قبل هبوب رياح الربيع العربي، لأنها أكبر مصنع للضغط والاحتقان في العصور الحديثة».

«حسم» نشرت العديد من المواد الإعلامية، التي تصب في مسار التحريض على الدولة، والخروج عليها، وإزاحتها، وتحريض المواطنين على التحرك ضدها، وهذا فضلًا عن محاولة التضليل، وتشويه مسائل الخروج على الحاكم، وطبيعة الإنكار عليه. وللحديث بقية.