قلت لقناة – الحرة – مساء اليوم الذي توفي فيه راحلنا الكبير نايف بن عبدالعزيز، وهي تسألني عن المنصبين الشاغرين برحيله: أمامنا الخياران التلقائيان وهما ما سيكون بالضبط بإحساس شخصي وتنبّؤ فردي. وبالفعل، لم تأخذني ذرة من المفاجأة وأنا أستمع للأوامر الملكية باختيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز وتعيين الأمير أحمد بن عبدالعزيز على رأس الكراسي الشاغرة برحيل أخيهما، رحمه الله. ماذا سيحدث؟ هما مجرد كلمتين تشغلان ويشتغل بهما الإعلام العالمي للسبب الجوهري في أن المملكة اليوم ليست مجرد قطب سياسي مؤثر في القرار السياسي العالمي، بل هي أيضاً رمانة اقتصاد هذا العالم، وعلى مسؤوليتي: سيكون هذا العالم مختلفاً تماماً في انتظار القرار السعودي. ومع هذا أنا مؤمن أن هذا السؤال لا مكان له في قواعد الإعراب من المنطلق السعودي. ومثلما قلت للقناة: فإن أي رؤية تحليلية للتنبؤ بماذا سيحدث تحتاج إلى فهم قواعد الإعراب الاجتماعي للسعوديين ولأسرتهم الحاكمة قبل إخضاع التحليل لمجرد الرؤية السياسية. قد يختلف السعوديون على أشياء كثيرة في صيرورة وقضايا حياتهم العامة، ولكنهم في المجمل لا يختلفون على المسائل العائلية في قراراتها الكبرى. هذا بالضبط إرث عربي نقي من تاريخ أي عائلة عربية، وأسرتنا الحاكمة الكريمة أثبتت في عشرات التجارب والمناصب والشواغر والمناسبات المفصلية أن الأمر تلقائي بدهي وأن للأسرة العربية أعرافها وتقاليدها الأصلية. تكرار السؤال مع المنعطف الجديد يعود بالجواب تلقائياً إلى جواب ذات السؤال في التجربة التي خلت.
واليوم يتسنم الأمير سلمان بن عبدالعزيز ذمة ولاية عهد أخيه، ومن اللافت بمكان أن وكالات العالم بأسرها هي التي نقلت صورته التاريخية يذرف الدموع غزيرة على صاحب الفراغ الذي جاء ليملأه. الصورة وحدها تعكس تقاليد هذه الأسرة.
الأسرة العربية النقية دائماً ما تتصرف على نحو قيمي مدهش، وآل سعود بالتأكيد هم ذروة هذه الأسر العربية الأصيلة. أزعم أن رصيدي الشخصي من العلاقات مع الكرام من أمراء الجيل الثاني من أحفاد المؤسس يعطيني مؤشرات جمالية مدهشة عن هذه التراتبية الأخلاقية في علاقاتهم البينية. الأسرة السعودية الكبرى، على الإطارين العائلي والشعبي، تدرك تماماً هذا الارتباط الأخلاقي التاريخي، ولعله لهذا اقرؤوا هذه المتلازمة: العالم ينشغل بالتكهنات وخلق الأسئلة، فيما العائلة الكريمة تأتي بالجواب سلساً ودوماً كما هو المتوقع. واليوم نحن مع سلمان بن عبدالعزيز بكل رصيده التاريخي، وخذوا من قمة رصيده هذا الارتباط الهائل لاسمه مع مسيرة شعب. الجملة الأخيرة تكفي لكتابة شعب مع مسيرة رحلة.