أقر سيدي خادم الحرمين الشريفين، أطال الله بقاءه، الأربعاء الماضي، الميزانية العامة للدولة، للعام المالي الجديد 1445/ 1446 (2024)، واستعرض سمو سيدي رئيس مجلس الوزراء وأعضاء المجلس بنودها، وأصدر المجلس الموقر قراره بشأنها، متضمنا تقديرا للإيرادات، واعتمادا للمصروفات، وتقديرا للعجز بمبلغ 79 مليار ريال.

توقف من ليسوا من أهل المال والأعمال عند العجز، وكثر الخلط والخبط في مسائل لا يحسن أن يتحدث عنها إلا المؤهل، أو المتواضع لخبير، أو القارئ لهذا الشق المهم من الموازنات، وهنا أذكر أن العجز المالي له أهميته، والشفافية في إعلانه عزم أكيد في استخدامه بشكل تدريجي لتحفيز الاقتصاد، وتحقيق التنمية، والفوائد المتوقعة كثيرة، مثل تمويل المشاريع الحيوية، كتحسين البنية التحتية، والخدمات العامة، وهذا يكفل تعزيز التنمية الاقتصادية، وخلق المزيد من فرص العمل، ومن الفوائد تحفيز الاستثمار، وجذب المستثمرين، واستخدام الأموال لتحسين الظروف الاقتصادية، وخلق بيئة جاذبة للأعمال، ومن الفوائد تعزيز الابتكار والتطوير، ودعم المجالات البحثية والتكنولوجية، مما يسهم في تطوير قطاعات مبتكرة، ورفع للتنافسية، ومن الفوائد تحقيق التوازن الاقتصادي بين الإنفاقات والواردات، مما يقلل من المخاطر المحتملة للاقتصاد، ويعزز من النشاط الاقتصادي والاستهلاكي.

إعلان العجز ليس بالضرورة أمرا سلبيا دائما، واليقين والثقة كبيرة في أن عامنا القادم سيحفل بكثير من الإجراءات المستدامة، التي من شأنها تعزيز الاستفادة من العجز لصالح التنمية الشاملة، بكل الأنواع المتاحة من التنمية؛ فهناك التنمية الاقتصادية، التي تعني توسيع الفرص للناس، وهناك العدالة الاجتماعية، وهناك التنمية البشرية، ويُعنى بها تحسين مستويات التعليم والصحة، وهناك الجانب البيئي، واستخدام الموارد بطريقة مستدامة للأجيال الحالية والمستقبلية، وهناك المشاركة في التطوير ، وسينتج عن ذلك كله تعميم النفع على الجميع، دون تجاوز أحد، مهما كان ذلك الأحد..

الدولة تعرف واجباتها، هذا أمر أقوله ويقوله المقتنع والواثق، والحمد لله تعالى على نعمة ما نحن فيه من ولاية أمر، وحسن قيادة، واللازم تفهم المواطن لما تم الإعلان عنه، وما سيتم بخصوص تجاوزه، مع اتخاذ خطوات خاصة تمكنه من التعامل مع العجز المعلن، ومن أولى الخطوات تنظيم حوارات مجتمعية حول كيفية استخدام الأموال العامة، ومن اللوازم الاهتمام بالتعليم المالي، وهو ما سيمكنه من فهم الأساسيات المالية، ويساعده في التخطيط الشخصي، ويمكنه من تحسين موارده الشخصية، ومن الخطوات طلب مزيد من المعلومات، والبناء عليها في تقديم اقتراحات مدروسة لأفكار وحلول تحسن من الأوضاع المالية، وتعزز من التفاهم حول إدارة التحديات المالية المتوقع استمرارها حتى نهاية منتصف العام بعد القادم 2025؛ فالعجز ليس نهاية العالم، بل هو جزء من دورة اقتصادية، وتوجيهه بفاعلية سيحقق فوائد طويلة الأمد، ويحسن الاقتصاد، وجودة الحياة.