تواجه الأمم آثارا اجتماعية وفكرية جانبية عندما تمر بتحولات كبرى، وهذا طبيعي ومفهوم إذ إن التغيير يحدث على مراحل ويحتاج لوقت حتى يكتمل.

وفي السعودية اليوم أمة تتغير وتفتح نوافذها للحداثة والأنسنة. نرى منجزات كبيرة تتحقق وتستحق أن نحتفل بها نحن وأن يحتفل بها العالم.

لكننا وبالعودة للآثار الجانبية نلمس عدم وضوح الرؤية لدى البعض تجاه مسألة التغيير هذه تحديدا. ولا شك أن هذه الضبابية تعد بيئة مناسبة لتكاثر المبادئ الصحوية الرجعية.

الصحويون في مجتمعنا اليوم نوعان، يتمثل النوع الأول في المعتنقين للفكرة السياسية القائلة بجمع الأمة الإسلامية تحت دولة الخلافة التي تطبق الشريعة الإسلامية، ويبدو هؤلاء أكثر تنظيما وقدرة على مجاراة الواقع والاستفادة منه في أحيان كثيرة.

أما النوع الآخر فهم أولئك البسطاء الذين لا يفرقون بين الإسلام كدين واعتقاد وعلاقة خاصة مع الله هدفها الاسترشاد وخلاص الروح، وبين الصحوة كتيار سياسي ثوري مستتر خلف الموروث الديني.

والمشكلة لدى النوع الثاني تكمن في انعدام الواقعية أولا ثم في أنهم يشكلون الحلقة الأضعف في دائرة الأدلجة والاستهداف الفكري.

النصيحة التي أقدمها لهم هي أن يأخذوا وقتا مستقطعا من إصدار الأحكام ويجروا مزيدا من المراجعات والقراءات حول ما يعتقدون أنه يزعجهم في الواقع الجديد. وأن يفهموا أن الانسجام مع الحياة يعود عليهم بالسلام والوفرة.

كما أدعوهم لمراجعة سلوكياتهم اليومية ورصد مشاعرهم الذاتية تجاه تفاصيل الواقع.

إن كنت تكتب تقييما سيئا على محركات البحث احتسابا على مقهى أو مطعم ليس لسوء الخدمة بل بسبب الموسيقى أو عدم وجود سواتر فأنت صحوي، إذا كنت تشعر بالذنب تجاه الانفتاح الاجتماعي وتعتبره من علامات آخر الزمان فأنت صحوي، إن كانت منجزات الترفيه والسياحة في السعودية تستفزك فأنت صحوي، إن كنت تظن أن مجرد كونك مسلما يمنحك الحق بتوصيف المنكر ثم محاولة تغييره بيدك أو بلسانك أو بقلبك فأنت أيضا صحوي.

إن ملاحظة الإنسان لذاته والتأمل في سلوكه وآرائه والاشتغال بإصلاح أخطائه وترقية فعله فيما حوله هو أعظم تجربة حياة يمكن أن يخوضها، وكل ما عداها هو هدر لوجوده في اصطفافات جانبية ليست له وليس لها.