يبقى السؤال القديم الجديد "من أين لك هذا ؟ " يُمسك بقبضته على كل فاسد سطا على المال العام ، وجره وقتاً من الزمن إلى مدافن النسيان ، أو أكل ظلماً حق إخواته من ورث والدهن ، أو غش وتلاعب بهدف الإضرار بالآخرين.

سؤال مهم يبدأ بحرف جر يليه اسم استفهام ، وجار ومجرور ، ومبتدأ مؤخر ، وأجزم أنه بحروفه القليلة ومعانيه الكبيرة المؤثرة يتحول إلى جمرة نفسية حامية كاوية تتلظى هماً وقلقاً وحزنا ، تلاحق وتحاصر حياة من تورمت ثروته بسبب أخذه ما ليس له حق فيه ، ولن ينفعه بعد ذلك أو يعفيه بناء مسجد وصدقات لذر الرماد في العيون.

كنا نشاهد في الماضي أفلاماً عربية تُظهر ملامح الثراء الصامت على أحد أفراد القرية أو المدينة ، ويقوم الفاسد بتعليق لوحة كبيرة على مدخل منزله الجديد الفخم (هذا من فضل ربي) والناس ينظرون إلى تلك اللوحة ويتضاحكون فيما بينهم لأنهم يعلمون علم اليقين أن مصدر هذا الثراء إما سرقة مال أواستغلال الوظيفة أو التهريب ، أواستخدام أساليب النصب.

هذا السؤال الناصع البياض يعيش في ذاكرة الناس، لايقترب من رجال الأعمال الشرفاء، ولاالذي ورث من والديه أموالاً ،أو عمل في التجارة بذكاء وصبر ليفتح الله عليه ويكتب له الحظ، بفضله وكرمه ، بل يسلط حزمه الضوئية المحرقة كما نقرأ في القصص على شخص خدم في الوظيفة حتى بلغ الستين، ولم يسمع أحد أنه ورث مالاً أوعثر على كنز، ولا النظام سمح له العمل في التجارة على حساب الوظيفة ؛ وبين ليلة وضحاها صنف نفسه من أهل المال والأعمال فمن أين له تلك الأموال ؟

بينما غيره بالآلآف خدموا بشرف وأمانة وغادروا وظائفهم بعد التقاعد أنقياء لم تمتد أياديهم إلى ما ليس لهم ، ويفتخرون بنزاهتهم وأمانتهم فكانت أوقاتهم بعد التقاعد جميلة مطمئنة من فئة المتصالحين مع زمانهم ليبارك الله في أعمارهم وأبنائهم ويرزقهم محبة خلقه والحياة السعيدة.

من أين لك هذا؟ سؤال قديم يتجدد مع الأيام، يحترمه ويقدره كل مواطن مخلص أمين يعشق بلده ،وسيبقى السؤال الحاضر الذي يعصف ويثير الزوابع في حياة أهل الثراء الصامت المجهول ، يلاحق الفاسدين أينما حلوا وارتحلوا.