للمرة الثانية بعد بضع سنين أكتب عن هذا الموضوع المؤرق. وقبل أن أبدأ، فلعلي أبدأ بالقصة الواقعية الآتية والتي لو وقفت عندها فقط لاكتفيت بما أريد أن يصل من رسالة: يذكر أن شاب أمريكي عرف عنه انخفاض مستواه في التعليم العام وبالذات في المرحلة الثانوية، لكنه بعد سؤال وربما إلحاح من أمه عن مدى رغبته في التقدم لامتحان القبول في الجامعات المعروف بـ SAT، أكد الشاب لأمه أنه سوف يدخل الامتحان، وفعلا دخل الامتحان وجاءت النتيجة مفاجئة له ولأمه، حتى أمه سألته إن كان غش في الامتحان، لكنه أكد أنه لم يفعل. فلقد حصل 1450 من 1600، وهي نتيجة يصعب على غالبية الطلبة الحصول عليها. وبهذا استطاع أن يدخل الجامعة (جامعة فرنكلن بيرز)، وبدأ يغير من عاداته التي كان يتميز بها أثناء تكاسله أو عدم مبالاته بكثير من الأمور، فلم يعد يخرج مع صحبته القديمة فقرر الاجتهاد في دراسته الجامعية، أي أصبح يفكر بعقلية طالب متفوق حصل على 1450 درجة من 1600 درجة. هذا الشاب تخرج ونشط في حياته حتى أصبح من أشهر رواد متحدثي الأعمال الملهمين. القصة لم تبدأ بعد؛ فالذي حدث إن لجنة الفحص الدوري لهذا الاختبار اكتشفت من خلال مراجعاتها أن السنة التي عقد فيها الامتحان الذي نجح فيه هذا الشاب أن هناك 13 نتيجة رسوب، أحدها نتيجة هذا الشاب، حيث حصل على 650 درجة فقط! نعم! انتهت القصة، والآن هذا الامتحان ماذا قاس؟ هل قاس جوانب من القدرات التي تؤهل للنجاح ليس فقط في الدراسة بل الحياة بأكملها أم أنه مجرد قياس لتمييز القدرات العقلية أو الذكاء؟ هل نتيجة هذا الامتحان مؤهلة لأن تحكم على شابة أو شابة طموحة بأنهما غير قادرين على النجاح لمجرد أنهما لم يحصلا على درجة الاجتياز؟ هل الهدف إذن أن يكون هذا الاختبار وسيلة لفرز الطلبة والحكم على من يستحق الدخول للجامعة ممن لا يستحق؟! وهل هذا الاختبار هو الوسيلة التي تقيس طموح الطلبة أو إمكانية نجاحهم في الحياة بشكل عام؟ لماذا لم تتفتق أذهان مخترعي هذه الوسيلة عن تقديم طريقة أفضل تقيس جوانب هي الأهم في حاضر ومستقبل الطلبة؟

الآن عندنا؛ وبعد تعقيد اختبار قياس للقدرات بدرجة تجاوزت التوقعات يسأل كل من الطلبة وأولياء أمورهم وهم بالملايين وكل سنة: ما الذي أفرزته نتائج قياس من نتائج إيجابية على مختلف الأصعدة والجوانب؟ هل الدراسة في الجامعة تتطلب هذا المستوى الذي تقول أدبيات قياس أنه ضروري للحكم على أهلية الطالب أو الطالبة للالتحاق بجامعاتنا أو الجامعات في العالم؟

من قال إن الغالبية الساحقة في الجامعات تتطلب الدراسة فيها طلبة من ذوي المهارات العالية جدًا، أو المهارات الخارقة حسب تصميم اختبار قياس للقدرات هذه السنة؟

وأقول هذا وأنا أستاذ دكتور من رحم جامعة ودرست في أعلى الجامعات تصنيفًا. والإجابة القاطعة: مستحيل مطلقا أن الجامعات تتطلب هذا المستوى غير العادي! إذن اختبار قياس للقدرات معني بالقدرات غير العادية؟! لماذا؟ هل الهدف من هذا الاختبار أو السبب في عقده هو محدودية المقاعد؟ هل السبب وراء عقده أن نتائج امتحانات الثانوية مشكوك فيها؟

إذا كان هذان هما السبب، فهناك أكثر من حل، والمتخصصون أو المعنيون في قياس والجامعات لديهم الحلول ويعرفونها تماما.

ألم تسترعنا تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن –خصوصا في السابق كما أعلم- عندما تتيح المجال للطلبة بتقدير جيد جدا على ما أظن وما فوق من واقع شهادة الثانوية الدخول إلى امتحان تجريه ومن ثم إتاحة الفرصة ومن يثبت كفاءته في الامتحان يقبل في الشركة؟!

وإذا كانت هناك شكوك في نتائج الثانوية ألا يمكن الاكتفاء بالاختبار التحصيلي أو أن تكون الأسئلة من الوزارة؟

ثم الطامة؛ يوضع على هذا الامتحان (القدرات) نسبة 30%؟ كان جعلتموها 10%، يمكن تفهمها!

إننا نجحنا واجتهدنا في حياتنا لأن الدولة وفرت ما يمكن لأن نفعل من خلال حلول تشجعنا، فلماذا نبحث الآن عن حلول أكثر تعقيدًا لجعل الحياة لأبنائنا أكثر مرارةً وتعقيدًا؟

لماذا لا تسأل الجهات في الوزارة وقياس المواطنين؟ لماذا الخطاب في اتجاه واحد وليس اتجاهين؟

ولماذا، وهذا من أهم النقاط، لم تطور الوزارة طريقة التعليم فتركز على تطوير المهارات وهو جوهر العملية التعليمية وخصوصا في التعليم العام؟ أليست هذه المهارات بشكل أو بآخر هي التي يقول قياس أنه يقيسها؟ كيف يقيس قياس ما يصعب قياسه؟ ومن ثم هل يوجد تغذية راجعة بين قياس والوزارة؟

وفي الختام، وبعد سنين من المعاناة التي ما فتئت تشتد مع الأيام، إنني أرجو أن يقرأ وزير التعليم والمسؤولين في الوزارة وفي قياس هذا المقال بعين موضوعية تامة، ما يفضي بشجاعة إلى مراجعات شاملة لهذا الامتحان التعسفي والتعليم بشكل عام؛ لأن الكيل بصريح العبارة طفح عندما أرى الإحباط شاهدا في وجه ابنتي كل يوم، وأظنه كذلك مع كل طالب وطالبة.