سكب على لوحاته التراثية كل سانحة مليحة، وحفز بعفو الخاطر ملامح الماضي الفسيحة ، ليكتب على أهداب السحاب قصته كفنان موهوب بالفطرة، حين استفاقت بين مرسمه ملامح الزمان بتجلياته الزاهية وإبداع اللحظات، ونبض الألوان ، وألق الأماكن الجميلة.

نسج في محطات حياته علاقات وحوارات مع صمت الجدران ،رائحة الطين ، وقع خطوات السنين ليمزجها في معادلة فنية راقية بين التراث والمعاصرة.

ويعتبر الفنان" إبراهيم بن محمد مناظر"-رحمه الله - أول من طور فن النقش والقط في منطقة عسير من خلال أفكار جديدة تنم عن ذوق رفيع ، وحس مرهف ، ومهارة

عالية في تصميم الأشكال والأحجام الهندسية البديعة ، بمقاسات دقيقة جداً وخطوط متناسقة دون المساس بالأصل.

وخلال أعوام عديدة أنجز عشرات الأعمال الفنية والمجسمات التراثية ذات القيمة الجمالية.

كنت أقوم بزيارات إلى مرسمه على ضفاف وادي الصفيح بأبها، وأشفق عليه من معاناته وصبره وصمته لفترات طويلة تصل إلى شهور بداية من التخطيط لفكرة العمل وحتى الإنتهاء منها ، ورغم أنه كان يتقاسم مع يومه القلق، وانكسارات الحياة إلا أن إيمانه المطلق بخالقه عز وجل جعله

راضياً بماقدر الله له، متصالحاً مع واقعه ومجتمعه، يتنفس الفن الراقي ، وتحرضه أطياف الجمال لترجمتها أعمالاً فنية سبقت عصرها، تحمل معاني الجودة والإبهار.

في صيف العام الماضي وبعد مرور عشر سنوات على رحيل هذا الفنان ، استضافت قرية المفتاحة التشكيلية في مركز الملك فهد الثقافي بأبها المعرض الأول لأعماله، بمبادرة

مشكورة من أسرته ، ولفت أنظار الزوار لأول مرة الإبداع في اللوحات والمجسمات التي تدثرت أسرار الدهشة وتفردت عن بقية أعمال المعارض الأخرى بأساليب وتصاميم في غاية الروعة والإتقان.

وحظي المعرض بقراءات متنوعة للمهتمين بفن الرسم والنقش العسيري المطور والمستلهم من منابت التراث وأصالته ، كما تلقت أسرة الفنان عرضاً لشراء اللوحات والأعمال الأخرى بأسعار مغرية من مصطافين من دولتي الإمارات العربية المتحدة والكويت الشقيقتين، إلا أنها قوبلت بالرفض.

وهنا أوجه نداء ورجاء إلى من يهمه الأمر في هيئة تطوير عسير الاهتمام بتلك اللوحات ودعم أسرة الفنان الراحل من خلال شرائها أو المحافظة عليها من التلف وإعادة عرضها في المناسبات الثقافية والفنية.

رحم الله الفنان إبراهيم مناظر الذي عاش حياة جمع فيها رحيق الجلال ونسائم الأطلال وتقلب الأحوال، ورحل كبقعة ضوء ودعتها شمس تجر ذيولها نحو المغيب