أصبحت السياحة الضارة Mass tourism التي تتميز بتدفق أعداد كبيرة جدًا من الزوار إلى الوجهات المعروفة والتي تفوق حجم سعة المكان وقدراته التشغيلية، سلاحًا ذا حدين في صناعة السياحة الحديثة.

وفي حين أنها تجلب فوائد اقتصادية، فإنها تثير أيضًا مخاوف بشأن الاستدامة والأثر البيئي والحفاظ على الثقافة المحلية، فإحدى المزايا الأساسية للسياحة بنسب كبيرة هي مساهمتها في الاقتصادات المحلية حيث تشهد الوجهات الشعبية طفرة في الأنشطة التجارية، من الفنادق والمطاعم إلى خدمات النقل، ويمكن لهذا التدفق المالي من الإنفاق السياحي أن يعزز بشكل كبير التنمية الاقتصادية، مما يوفر فرص العمل ويعزز النمو.

ومع كل ما ذكر فإن الخسائر البيئية الناجمة عن السياحة الضارة تشكل مصدر قلق متزايد. غالبًا ما تواجه الوجهات المكتظة مشكلات مثل التلوث وتدمير الموائل والضغط على الموارد المحلية، وتسهم البصمة الكربونية للسفر، خاصة مع الرحلات الجوية الطويلة، في تغير المناخ. إن تحقيق التوازن بين المكاسب الاقتصادية والاستدامة البيئية أمر بالغ الأهمية لصحة الوجهات السياحية على المدى الطويل ولعل التجربة الإسبانية خير دليل مع دعوات جادة لتخفيض عدد السياح!

التراث الثقافي هو ضحية أخرى للسياحة الضارة حيث يمكن أن تتآكل المعالم البارزة والتقاليد المحلية عندما تصبح سلعة للاستهلاك الشامل. قد يؤدي تدفق الزوار إلى تجانس الثقافات المحلية، حيث تطغى عوامل الجذب التي تتمحور حول السياحة على التجارب الأصيلة. إن الحفاظ على تفرد هوية الوجهة يصبح أمرًا حتميًا في مواجهة السياحة الضارة، وغالبًا ما تتجاوز الزيادة السريعة في أعداد السياح تطور البنية التحتية اللازمة حيث يمكن للشوارع المكتظة، وعدم كفاية إدارة النفايات، والخدمات العامة المجهدة للمدن والوجهات أن تقلل من نوعية الحياة لكل من المقيمين والزوار، ويصبح التخطيط الحضري المستدام والاستثمار في البنية التحتية أمرًا بالغ الأهمية لضمان قدرة الوجهات على استيعاب أعداد كبيرة من السياح دون المساس بجاذبيتها.

ولمعالجة الآثار السلبية للسياحة الضارة، هناك تركيز متزايد على مشاركة المجتمع والسياحة المسؤولة، وينبغي إشراك المجتمع المدني في عمليات صنع القرار، بما يضمن أخذ وجهات نظرها في الاعتبار عند تطوير وإدارة السياحة، ويمكن للممارسات المستدامة، مثل أماكن الإقامة الصديقة للبيئة أن تساعد في التخفيف من الآثار السلبية لهذه الصناعة.

يعطي التقدم التكنولوجي حلولًا لبعض هذه التحديات، حيث يمكن الاستفادة من مبادرات السياحة الذكية، وتحليلات البيانات، والمنصات الرقمية لإدارة تدفقات الزوار، وتحسين استخدام الموارد، وتعزيز التجربة السياحية الشاملة حيث يمكن لممارسات السياحة المستدامة، المدعومة بالتكنولوجيا، أن تمهد الطريق لصناعة أكثر مسؤولية وتوازنًا.

في حين أن السياحة الضارة تحقق فوائد اقتصادية لا يمكن إنكارها، فإنها تتطلب اتباع نهج مدروس وشامل للتخفيف من عواقبها السلبية، ولعل السياسات والقوانين السياحية الفعالة والتي تعالج مسببات السياحة الضارة قبل أن تبدأ عنصرًا أساسيًا في تشكيل مستقبل السياحة، مما يضمن بقاء الوجهات السياحة قوة للتبادل الاقتصادي والثقافي الإيجابي.