يقترب عصرنا الرقمي الحديث من إضفاء شروط جديدة على دور "لمثقف" اليوم ، تتمحور حول سعة الخيال ، والقدرة على توليد الأفكار الجديدة ، وإنتاجها في ميادين الكلمة ، الريشة ، الصورة ، وكافة النواحي الإجتماعية ، سواء الاقتصادية أو التنموية ، إلى جانب مهارة استخدام التقنيةوتطبيقاتها.

ومنذ أكثر من ثلاثة عقود انفتحت شهية العلماء والمهندسين والمصممين في المصانع ومراكز الأبحاث والشركات العالمية الكبرى على بنوك أفكار المبدعين من الأدباء ،و الفنانين التشكيليين ، والكتّاب والمفكرين ،المليئة

بأرصدة الخيال العلمي والأفكار الملهمة التي دونوها في قصصهم ورواياتهم ومقالاتهم ، وصولا إلى اللوحات والأفلام التي عَبَرت خارج الزمان بنظريات وفرضيات اكتشافات علمية مُثيرة وملهمة.

وجرى في المعامل إعادة دراستها وتقييمها وترجمتها وتحويلها من الخيال والأحلام إلى واقع ملموس ، يرفد الحياة بمخترعات وأجهزة ومعدات اختصرت الجهد والوقت، ومنحت العالم أساليب حضارية جديدة.

وللمعاجم العربية منذ مئات السنين قصب السبق في الإشارة لنقطة مهمة حول التعريف بالمثقف حين اشترطت الذكاء وسعة الإطلاع ، وجاء في لسان العرب"ثقف الرجل ثقافة أي صار حاذقاً وفطنا" بمعنى النباهة والفهم وهما عنصران مرتبطان بالخيال.

ويرى إنيشتاين صاحب نظرية النسبية أن الخيال أهم من المعرفة بمراحل.

وإذا كان تعريف الثقافة في زمن مضى المعارف المكتسبة فإن توليدالأفكار الجديدة وانتاجها أصبحت علامة مميزة للمثقف الحقيقي اليوم ، ممن منحه الله الخيال الخصب وصفاء الفكر ، والإطلاع الواسع ونضج التجارب، وهي خصائص تشبه تفاعل ومعاناة الشاعر والأديب للخروج بصياغة فنية مطعمة بنفيس الكلمات عن تجربة إنسانية مر بها، أو طيف خيال عابر .

يقول ابن جني أحد أبرز علماء اللغة"يولد المعنى في الذهن عارياً ونُلبسه نحن حُلة الكلمات" ، وهي أمور خيالية !!

ومن الطبيعي أن الفكرة تسبق القول ثم تأتي الكلمات في تثبيت المعاني ، نحن في مرحلة تحتم على كل مواطن ومو اطنة المشاركة بالأفكار الجديدة النافعة ،وبلادنا الحبيبة تسابق الزمن وتحلق في سماء المجد برؤية طموحة.

ليس مفهوم الثقافة الثرثرة وسلق الكلمات، واجترار أحداث أو قصائد موضوعاتها مكررة ، ومقالات ممجوجة فاقدة الصلاحية، ولا مشاهير فلس

أو ألقابا أطلقها البعض على أنفسهم دون حياء مابين إعلامي ، محلل اقتصادي ، ناشط اجتماعي ، محلل سياسي ، مستشار، صانع محتوى وهم بعيدون عنها بُعد السماء عن الارض.

هؤلاء عليهم أن يفهموا جيداً متطلبات عصر يمنح بطاقة الدخول لمن يقدم الأفكار والمبادرات الرائدة ، ويوصد أبوابه في وجه كل متطفل مغرم بالأضواء ، لم تنهره سنواته العجاف من الركض دون لياقة على شواطئ المجهول، وهذا مايجعله هدفاً سهلاً لأمواج السخرية الهادرة !!